هناك طريقتان لوصف المواجهة بين الكونجرس وبين إدارة بوش حول تمويل الزيادة في عدد أفراد القوات المسلحة الأميركية في العراق. فهناك من يمكن أن يقول إن تلك المواجهة ليست سوى نزاع سياسي عادي... وهناك من يمكن أن يقول إننا يجب أن نراها النحو الذي تبدو عليه بالفعل وهو أنها موقف "اختطاف" رهائن يتحصَّن فيه الرئيس بوش في معقله بالبيت الأبيض ويهدد المارة الأبرياء المارين أمام البيت (اقرأ القوات) بأنهم سيتعرضون لأشياء رهيبة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه. لو كان هذا نزاع سياسي عادي لكانت لـ"الديمقراطيين" اليد العليا في الكونجرس، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الغالبية العظمى من الأميركيين تقول إنها بحاجة إلى جدول زمني للانسحاب وإنها تثق في قدرة الكونجرس على التعامل مع الوضع في العراق بشكل أفضل مما قامت به الإدارة الأميركية. المشكلة هنا أن هذه المواجهة ليست نزاعاً سياسياً عادياً، كما أن بوش في الواقع لا يحاول أن يفوز في الجدال الدائر بناء على أسباب موضوعية، وإنما هو يراهن على أن الناس الموجودين خارج المتاريس التي يتحصَّن وراءها مهتمون أكثر مما هو مهتم بمصير المارة الأبرياء (القوات). إن الشيء الموضوع في كفة الميزان في الوقت الراهن هو الزيادة "التكميلية" الأخيرة في الميزانية العسكرية المخصصة للحرب في العراق. فمنذ البداية، رفضت الإدارة الأميركية أن تضع تمويل الحرب ضمن الميزانية العادية وكانت تطلع على الشعب الأميركي من وقت لآخر لتقول: "يا لله! هل تصدقون أن الأموال التي خصصت لنا قد أوشكت على النفاد. أعطونا 87 مليار دولار أخرى". والشيء الذي لم أرَ أحداً يلفت النظر إليه على الرغم من وضوحه هو ذلك الازدراء الذي يتضمنه مثل هذا الفعل لسلامة القوات الأميركية في بغداد التي وضعتها الإدارة في طريق الأذى دون أن تتأكد أولاً من توفير المصادر اللازمة لها. كان بوش يؤمن بأنه طالما ظل "الجمهوريون" مهيمنين على الكونجرس بمجلسيه، فإنه لن يواجه صعوبة في الموافقة على طلباته دون معارضة وبالتالي لن تكون هناك مشكلة من أي نوع، خصوصاً وأن وضع النفقات العسكرية خارج بنود الميزانية العادية كان يوفر له الذريعة لطلب ما يشاء من أموال. أما المشكلة هذه المرة فهي أن بوش قد قرر إرسال مزيد من القوات إلى العراق، بعد انتخابات أظهر فيها الشعب الأميركي رفضه القاطع للحرب وقرر منح الأغلبية لـ"الديمقراطيين" في الكونجرس بمجلسيه. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن بوش -و على الرغم من تغير الأوضاع- تحدى الكونجرس أن يرفض الموافقة على المخصصات الإضافية، وهو ما يؤكد قولي في بداية هذا المقال إن بوش كان يقوم بعملية اختطاف رهائن. وليس هذا فحسب بل إننا لو أمعنا النظر في العملية برمتها فإننا سنجد أن الوضع أسوأ من ذلك بكثير. فحسب التقارير المتعلقة بهذا الشأن، فإن النسخة النهائية من مشروع قانون التمويل الذي سيرسله الكونجرس لن تتضمن حتى تحديد موعد نهائي للانسحاب، وإنما ستتضمن تحديد تاريخ "استشاري" غير ملزم. وعلى الرغم من ذلك التعديل، فإن بوش يخطط لاستخدام حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القانون هذا، وبعد ذلك سيتهم الكونجرس بأنه قد أخفق في دعم القوات الأميركية في العراق. إن الأمر برمته يعيد إلى الذاكرة خطاب "كوبر يونيون" التاريخي الذي ألقاه إبراهام لينكولن عام 1860 عن الانفصاليين الذين لاموا المعارضين لإلغاء الرق، واعتبروا أنهم السبب في اندلاع الحرب الأهلية التي كانت نذرها تلوح في ذلك الوقت. قال لينكولن في هذا الخطاب مشيراً إلى موقف الانفصاليين: "إن ما يقوله هؤلاء يشبه في الحقيقة ما يفعله قاطع طريق يعترض العربة التي أسافر بها... ثم يضع مسدسه على صدغي، ويقول لي ترجَّل من العربة وهات كل ما معك وإلا قتلتك، وفي تلك الحالة ستكون أنت الجاني على نفسك لا أنا". والسؤال هنا هو: كيف يجب أن يتعامل الكونجرس مع تهديدات بوش؟ إن الجميع هنا يتحدثون عن الأخطار السياسية التي يمكن أن تترتب على المواجهة مستشهدين في ذلك برد الفعل المفاجئ والعنيف الذي حدث عقب الموقف الذي اتخذه "نيوت جنجريتش" عام 1995. ولكن هؤلاء يغفلون أن هناك فارقاً كبيراً بين أن يحاول الكونجرس إرغام رئيس يتمتع بشعبية معقولة مثل "بيل كلينتون" على إجراء تخفيض في المخصصات التي كان يطالب بها للرعاية الصحية -وهو الموضوع الذي كانت تدور المواجهة بين الكونجرس والرئيس بشأنه عام 1995- وبين أن يحاول الكونجرس إقناع رئيس ذي شعبية متدنية إلى حد كبير وغير موثوق به بوضع بعض الحدود على حرب غير شعبية إلى أقصى حد ممكن. في الوقت ذاته نجد أن هناك أخطاراً سياسية ضخمة تقع على الجانب الآخر. فإذا ما قام الكونجرس كرد فعل على استخدام الرئيس لـ"فيتو" رئاسي بتقديم مشروع قانون ميزانية أضعف من المشروع الذي قدمه بالفعل، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن يكون رد فعل الناخبين في مثل هذه الحالة هو الاشمئزاز من الأمر برمته لأنهم سيستنتجون أن السجال حول الحرب في العراق لم يكن سوى مسرحية سياسية. لذلك فإن على الكونجرس ألا يأبه كثيراً بالحسابات السياسية وأن يدرك أن مواجهة بوش بشأن حرب العراق قد أصبحت واجباً وطنياً... وأن يدرك كذلك أنه ما لم يتم اتخاذ شيء لإطفاء لهيب تلك الحرب خلال الـ21 شهراً القادمة... أكرر الـ21 شهراً القادمة فإن الضرر الذي سيخلفه بوش وراءه عندما يذهب بعد انقضاء هذه المدة سيكون ضرراً غير قابل للإصلاح. بول كروجمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"