بعد نجاح الصينيين في تدمير قمر اصطناعي في الفضاء بواسطة صاروخ في يناير الماضي، انتقد مسؤولو إدارة بوش الاختبار، واصفين إياه بالتطور المثير للقلق. فقد شكل ذلك أول نجاح لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية في العالم منذ 20 عاماً. ولذلك، حذرت "البنتاجون" من أن التجربة تزيد من حجم التهديدات بالنسبة للأقمار الاصطناعية الأميركية. كما عبر خبراء الفضاء عن قلقهم من أن التجربة تسببت في كمية من الحطام المتناثر في الفضاء. ونتيجة لذلك، تقدم الدبلوماسيون الأميركيون بشكاوى لنظرائهم في بكين. بيد أن ما لم يَقله مسؤولو الإدارة الاميركية هو أنه في الوقت الذي كان فيه الصينيون يستعدون لإطلاق الصاروخ المضاد للأقمار الاصطناعية، كانت وكالات الاستخبارات الأميركية تصدر تقاريرها حول الاستعدادات التي كانت جارية على قدم وساق بمحطة "سونجلين" الصينية؛ وأن مسؤولي الإدارة بحثوا خلال مناقشات رفيعة المستوى طريقة الرد على هذه الخطوة الصينية، وبدأوا في صياغة احتجاج، غير أنهم قرروا في نهاية المطاف ألا يقولوا شيئاً لبكين قبل انتهاء التجربة. وبعد ثلاثة أشهر على التجربة الصينية، دار جدلٌ جديد حول ما إن كانت الإدارة قد تعاملت مع هذه الخطوة الصينية على نحو حكيم، أو إن كانت ضيعت فرصة لثني الصينيين عن اجتياز عتبة عسكرية جديدة. والواقع أن هذه الأحداث تبرز القيود التي شعرت بها الإدارة الأميركية في تعاملها مع الصين بسبب رأيها الذي كان يرى أنها لا تملك تأثيراً كبيراً لحمل الصين على وقف برنامج عسكري مهم، وأيضاً لأنها لم تكن ترغب في أن تعلم بكين مدى معرفة الولايات المتحدة بأنشطتها الفضائية. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول كبير من إدارة بوش في معرض وصفه لطريقة تفكير الإدارة وقرارها بألا تطلب من الصينيين إلغاء التجربة: "لقد تلقينا بالفعل تحذيراً يفيد بأن الإعداد للاختبار جار"، مضيفاً "ولكن أعتقد أنه من العدل القول إنه لا أحد كان يعلم علم اليقين ما إن كان الصينيون سيرجئون أو يلغون الاختبار؛ فرأى الكثيرون، ومنهم رؤساء أجهزة الاستخبارات، أن الصينيين عاقدون العزم على إجراء الاختبار". بيد أن بعض الخبراء من خارج الحكومة يعتقدون أن المسؤولين الأميركيين كانوا قادرين على ثني الصينيين عن إطلاق الصاروخ لو كانوا مستعدين للدخول في مناقشة أوسع حول طرق تنظيم وتقنين التنافس العسكري في الفضاء. ويُذكر هنا أن الصين لطالما دافعت عن فكرة توقيع اتفاق حول حظر الأسلحة في الفضاء، وهي مقاربة رفضتها إدارةُ بوش من أجل الحفاظ على أكبر قدر ممكن من المرونة لتطوير أنظمة دفاعها المضادة للصواريخ. وفي هذا السياق، يقول" جيفري لويس"، الخبير في مراقبة التسلح بمؤسسة "نيو أميركا فاونديشن": "لو كانت الولايات المتحدة مستعدة لمناقشة الاستعمال العسكري للفضاء مع الصينيين في جنيف، لكان ذلك كافياً على الأرجح لثنيهم عن المضي قدماً في اختبارهم". وبينما كانت الاستعدادات جارية على قدم وساق، كانت إدارة بوش تفكر في طريقة الرد المناسبة. وفي هذا الإطار، يقول الجنرال "وولتر شارب"، الذي يعمل مديراً تحت إمرة الجنرال "بيتر بايس" في رئاسة هيئة الأركان المشتركة: "لقد جرت مناقشات حول خيارات مختلفة بخصوص كيفية التعامل مع الاختبار، ومن ذلك التقدم باحتجاج دبلوماسي مبكر، أو الانتظار لرؤية ما إن كانت تجربتهم ناجحة أم لا". وإذا كان الجنرال "شارب" رفض تقديم تفاصيل، فإن مسؤولين آخرين قالوا إن بعض مسؤولي "البنتاجون" اقترحوا فكرة مطالبة الصين بالتخلي عن الاختبار، غير أن الفكرة رُفضت لأسباب مختلفة. فقد خلص المسؤولون إلى أنه من غير المرجح أن تلغي الصين الاختبار، وألا توجد خيارات جدية كثيرة لمعاقبة الصين في حال تجاهلت التحذيرَ الأميركي. وعلاوة على ذلك، فلم تكن وكالات الاستخبارات الأميركية ترغب في أن يعرف الصينيون بأنها على علم بحالة استعداداتهم. ويمكن القول إن الاستجابة للمطالب الصينية بخصوص إجراء مفاوضات حول الأسلحة الفضائية لم تكن من ضمن الخيارات المطروحة من قبل الإدارة. ويُذكر هنا أن آخر مرة اختبرت فيها الولايات المتحدة سلاحاً مضاداً للأقمار الاصطناعية -وهو صاروخ أُطلق إلى الفضاء من طائرة حربية "إف 15"- كانت في 1985، ولا تتوفر حالياً على برنامج لتطوير نظام جديد مضاد للأقمار الاصطناعية. إلا أن الإدارة الأميركية، المتطلعة إلى أنظمة الدفاع الصاروخي، سعت إلى الحفاظ على أكبر قدر ممكن من المرونة للعمليات العسكرية الأميركية في الفضاء. وهكذا، قررت الإدارة الأميركية مراقبة الاستعدادات الصينية، وصياغة احتجاج لإرساله بعد إجراء الاختبار. في وقت مبكر من يوم الحادي عشر من يناير، أطلقت الصين صاروخها الذي نجح في بلوغ هدفه وتحطيم القمر الاصطناعي الذي كان يدور حول الأرض على بعد 475 ميلاً. ونتيجة لذلك، تم رصد نحو 1600 شظية وقطعة حطام من بقايا القمر الاصطناعي المدمَّر في المدار حول الأرض، وهو ما يزيد من خطر حدوث اصطدام مع المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية الأخرى. ويُذكر هنا أنه كان من المقرر أن يُفتتح ببكين هذا الأسبوع اجتماعٌ دولي للخبراء الحكوميين في حطام الفضاء، ولكنه أُرجئ بقرار من الصين، التي تخشى فيما يبدو انتقادات المنتقدين على خلفية اختبار يناير الماضي. والحال أن تداعيات الاختبار الصيني على الأمن القومي الأميركي تعد أكثر إثارة للقلق في أعين البنتاجون. فقد خلص بعض محللي الاستخبارات الأميركية إلى أن الصينيين قد يتمكنون من امتلاك سلاح جاهز مضاد للأقمار الاصطناعية مطلع العام المقبل، وهو ما من شأنه أن يشكل تهديداً بالنسبة للأقمار الاصطناعية الأميركية التي تدور حول الأرض في مدار قريب. وفي هذا السياق، قال الجنرال "مايكل موزلي"، رئيس أركان سلاح الجو، في أحد المؤتمرات مؤخراً: "لقد صُدمنا حين قام الروس بوضع قمر اصطناعي في الفضاء قبلنا. واليوم ثمة صدمة ثانية تتمثل في نجاح الصينيين في إسقاط أحد الأقمار الاصطناعية، وهو ما يجعل الفضاء أكثر خطراً مما كان عليه في السابق". مايكل جوردون وديفيد كلاود محررا الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"