بدأ تحفز "موسى" لرحلة الموت والخطر هذه، قبل ثلاثة أسابيع من الآن. فبعد عدة أشهر من القتال المحتدم في العاصمة الصومالية مقديشو، لم يبق من أفراد المليشيا التي ينتمي إليها "موسى" سوى ثلاثة فحسب. ولذلك فقد دعاه أخوه الأكبر للحاق به في اليمن. وعلى رغم صعوبة السفر هذه الأيام من مقديشو إلى اليمن، إلا أنه ليس لـ"موسى" وأمثاله ما يخسرونه بامتناعهم عن خوض رحلة الموت والمخاطر. ويعد ميناء بوساسو، الميناء الأكثر نشاطاً وحيوية في الساحل الشمالي للصومال، نقطة التوقف الأولى لهؤلاء المهاجرين الفارين من جحيم الحرب. فما أن يبلغوه حتى يحطوا رحالهم ويسكنوا مع بعضهم بعضاً حسب الانتماء العشائري القبلي، في مساكن عشوائية يشيدونها كيفما اتفق من الكرتون والحصر والعيدان وغيرها، ثم يبحثون لهم عن أي مهنة يقيمون بها أود حياتهم. وهناك ما يربو على الألف لاجئ صومالي شهرياً، يخاطرون بحياتهم في خوض رحلة المخاطر، على متن قوارب صيد صغيرة متهالكة ومكتظة بالركاب، عبر خليج عدن إلى السواحل اليمنية. وخلال العام الحالي، غادر ما يزيد على 320 ألف مهاجر من الرجال والنساء والأطفال، حسب البيانات المنسوبة للأمم المتحدة. فعلى إثر الهزيمة التي لحقت بـ"اتحاد المحاكم الإسلامية" في شهر يناير الماضي، سرعان ما عمت الفوضى في العاصمة الصومالية، وانقسمت على نفسها إلى ثلاثة جيوش متحاربة متنافسة فيما بينها، منها ما يمثل تيار المتمردين الإسلاميين، ومنها ما يمثل العشائر، وثالث يمثل لوردات الحرب. وتحاول هذه الفصائل الثلاث الانقضاض على حكومة الرئيس عبدالله يوسف المؤقتة، المدعومة من قبل القوات الإثيوبية. وفي غمرة موجة العنف هذه، تواصل قوات حفظ السلام الأوغندية فشلها في تأمين حياة المواطنين المدنيين، والحد من هجراتهم الجماعية مما يبدو أنه القتال الأسوأ الذي تشهده الصومال، منذ أيام حربها الأهلية التي اندلعت في عام 1991. ووفقاً لتصريح سانتياجو بيريز، رئيس المجلس الدانمركي للاجئين، فإن تلك الرحلة شاقة للغاية، ولا يستبعد أن تكون قاتلة، بسبب تكدس المسافرين فيها على متن المراكب الصغيرة، التي كثيراً ما تنقلب أثناء سيرها في الماء. وحتى في حالة عدم تعرضها للحوادث، فليس مستبعداً أن تطلق قوات خفر السواحل النيران على المهاجرين غير الشرعيين الذين يلجون إلى السواحل هذه بالآلاف شهرياً. لكن مع ذلك -والحديث لا يزال للسيد بيريز- فإنك ترى الآلاف وهم يخاطرون بحياتهم على هذا النحو، هرباً من جحيم القتال الدائر في مقديشو. ولعل الدافع الرئيسي المحرك لهذه الهجرة الواسعة، إعلان السلطات اليمنية استعدادها لمنح اللجوء التلقائي لكل الصوماليين الذين يعبرون إلى الأراضي اليمنية. وبالنتيجة فقد بلغ عدد المهاجرين الصوماليين المقيمين في اليمن حالياً 84 ألفاً، إلا أن هناك عدداً كبيراً من غير المسجلين منهم. ويشتري هؤلاء بطاقات هوية مزورة، ويعملون بغسيل السيارات وغيرها من المهن الهامشية كي يتمكنوا من العيش والإقامة في اليمن، أو محاولة عبور الحدود الشمالية إلى المملكة العربية السعودية. وليلة إثر الأخرى، وفي ضواحي بوساسو وسواحلها النائية نوعاً ما، يتم حشد العشرات من المهاجرين الصوماليين واللاجئين الاقتصاديين الإثيوبيين، في تلك القوارب الصغيرة، ومن هناك تبدأ مغامرتهم التي ربما يبلغون فيها السواحل اليمنية في رحلة تتراوح مدتها بين يومين إلى ثلاثة أيام، فيما لو أسعفتهم الظروف والحظ. ويتعين على كل واحد من هؤلاء المهاجرين -ولا ننسى صديقنا "موسى" بينهم- شراء تذكرة قيمتها 100 دولار، لا تبتاعه شيئاً سوى الجوع والعطش والضرب، وصولاً إلى المخاطرة بأن تنتهي به الرحلة نفسها إلى بطن أحد حيتان القرش العملاقة. ولعلمك أيضاً، فإن إحدى مزايا هذه التذكرة، احتمال التعرض للضرب المبرح، والتبول حيث يجلس الراكب دون أن يغادر المكان! لكن وعلى رغم كل ذلك، فقد عزم موسى على الذهاب مهما يكن الخطر المحدق. وكما قال: إنني مدرك للمصاعب التي تواجهني، ولكن كيف لي أن أحظى بحياة كريمة هنا في بوساسو؟ أما إذا عدت أدراجي إلى مقديشو، فسوف ينتهي بي الحال إلى طلقة تخترق جسدي فتقتلني. ولذلك فليس أمامي من خيار سوى اقتحام مخاطر الموت، سواء كان في البر أم في البحر! جيني هيل مراسلة صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"