العنوان البنفسجي الكبير على صدر الصفحة الأولى من صحيفة "ذي جارديان" النيجيرية لم تكن لتخطئه العين، تماماً على غرار محتواه. الصحيفة قالت محذرة في افتتاحية على الصفحة الأولى: "إن الانتخابات وضعت نيجيريا في مفترق طرق خطير"، مضيفة "والخيارات المتاحة لإنقاذ البلاد من الخطر المحدق بها باتت اليوم قليلة للغاية". وتعكس هذه الرسالة التحذيرية، التي نُشرت يوم الخميس الماضي في وقت أعلن فيه مرشحان من المعارضة عن عدولهما عن تهديدهما السابق بمقاطعة الانتخابات، وترشحهما لانتخابات السبت الماضي، توافقاً متزايداً في نيجيريا يرى أن البلاد توجد في مفترق طرق خطير، ربما هو الأخطر من نوعه منذ استقلالها عن بريطانيا في 1960؛ حيث تميزت انتخابات الولايات التي أُجريت الأسبوع الماضي بالتزوير والتهديدات والعنف. والواقع أن الخطر الأرجح ليس هو الخطر الواضح -أي انزلاق هذا البلد الذي يتألف من 250 مجموعة عرقية إلى حرب قبلية ودينية. فنيجيريا اليوم تعد من نواحٍ عدة، بعد ثماني سنوات من الديمقراطية الفتية، بلداً أفضل حالاً مما كانت عليه عندما وصل الرئيس "أولوسيجون أوباسانجو" إلى السلطة عام 1999. حيث تم القضاء على بعض أشكال الفساد، وتم تسديد الدَّين الوطني، ونما الاقتصاد. كما نما دور نيجيريا كراعية إقليمية للسلام؛ ومثلما تُظهر ذلك افتتاحية "ذي جارديان"، فإنها تتوفر على صحافة حُرة وقوية ومجتمع مدني فتي. بيد أن كل ذلك لم يعنِ تحسناً في طريقة اختيار قادتها، ولا في طريقة إدارة البلاد؛ حيث يرى مراقبو الانتخابات الدوليون والمحليون بأن الخروقات التي تخللت هذه الانتخابات هي الأسوأ مقارنة من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، يقول "أنياكوي نسيريموفو"، وهو من نشطاء حقوق الإنسان في منطقة دلتا النيجر: "يُقال لنا إن الأمور تتحسن تدريجياً. ولكن الحقيقة هي أننا نتراجع إلى الخلف في ما يخص الديمقراطية". وقد شهدت نيجيريا مشاكل وأزمات أصعب بكثير -الحرب الأهلية، والحكم العسكري المتوحش، وما لا نهاية له في ما يبدو من الزعماء الفاسدين الذين اختلسوا مئات المليارات من الدولارات، ليتركوا بذلك نيجيريا واحدة من أفقر البلدان في العالم بالرغم من الاحتياطات الكبيرة من النفط التي تتوفر عليها. والواقع أن عمق هذه المشاكل هو الذي علَّم النيجيريين أن يقدروا ويثمنوا الاستقرار على أي شيء آخر تقريباً. غير أن الخطر اليوم -حسب المحللين والسياسيين ومراقبي الانتخابات- لا يتمثل في كارثة فورية، وإنما في حقيقة أن قادة البلاد سيتم اختيارهم مرة أخرى عبر عملية تنضح بالعيوب والتجاوزات. وفي ظل قرار "عتيقو أبوبكر"، مرشح "مؤتمر العمل"، و"محمدو بوهاري"، من حزب "نيجيريا الشعبي" يوم الخميس الماضي بالمشاركة في انتخابات السبت، فإن الساحة لا تبدو مهيأة لإعادة انتخابات الولايات التي جرت السبت الماضي. فقد تخللت عمليات التصويت الأسبوع الماضي مشاكلُ كثيرة دفعت المراقبين الدوليين إلى المطالبة بإعادتها في عدة ولايات؛ إلا أن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة والرئيس "أوباسانجو" نفيا، في ردهما على هذه الانتقادات، حدوث مشاكل كبيرة؛ إذ قال "فيليب أوميادي"، المتحدث باسم اللجنة الانتخابية، للصحافيين في أبوجا يوم الخميس الماضي "ليست ثمة أزمة في نيجيريا". من المعروف عن نيجيريا ميلها إلى الاقتراب من حافة الكارثة، ثم التراجع فجأة إلى الوراء. والواقع أن هذا هو الذي حمى البلاد من أزمات محققة، باستثناء واحدة على الأقل -حرب بيافرا الأهلية التي اندلعت في الستينيات وأسفرت عن مقتل مليون شخص. ومنذ ذلك التاريخ، أضحى مبدأ الوحدة شيئاً مقدساً في البلاد؛ وساهمت المخاوف من أزمة مشابهة لـ"بيافرا"، إضافة إلى ثروة البلاد النفطية الكبيرة المحتكرة من قبل نخبة البلاد، في الحفاظ على نيجيريا بلداً واحداً موحداً في السراء والضراء. بيد أن النيجيريين بدأوا يتساءلون مؤخراً، حسب "نامدي أوباسي"، المحلل بمنظمة مراقبة الأزمات الدولية، حول جدوى هذه النزعة الوطنية إلى الحفاظ على الذات التي تربطهم بنخبتهم السياسية، وهي صفقة سمحت بتلافي الكارثة ولكنها تركت في الوقت نفسه الأغلبيةَ في الفقر إذ يقول: "كل هذه الجموع من الشباب العاطل عن العمل الذي يوجد في شوارعنا لا تبدي أي اهتمام بالنظام الحالي"، مضيفاً "ذلك أنهم لا أمل لديهم ولا مستقبل؛ كما لا يجمعهم الشعور بالمصير المشترك الذي كان سائداً في ما مضى". والواقع أن حلفاء نيجيريا وجيرانها عقدوا صفقة مماثلة مع النخبة السياسية؛ حيث تعد نيجيريا وسيطاً إقليمياً مهماً لحل النزاعات، ونفطها جزء مهماً من السوق العالمي، ولاسيما الولايات المتحدة. وبالتالي، فمن شأن انهيار نيجيريا أن يطرح تهديداً أمنياً كبيراً في منطقة ما زالت تكافح من أجل الخروج من حلقة مفرغة من الحرب شملت نحو ستة بلدان لما يزيد على 15 عاماً. وفي هذا الإطار، يقول "عبد الفتاح موساح"، المستشار المختص في تلافي النزاعات لدى "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا": تعد نيجيريا بمثابة "الأخ الأكبر" في غرب أفريقيا، حيث لعبت دوراً بالغ الأهمية في إرساء الاستقرار في كامل المنطقة. وفي مقاله "مشكلة نيجيريا" الذي كُتب قبل نحو ثلاثين عاماً، وضع الروائي النيجيري المعروف "تشينوا أتشيبي" بوضوح إصبعه على مكمن الخلل قائلاً: "إن مشكلة نيجيريا هي بكل بساطة فشل الزعامة". ويرى المحللون أن غياب انتخابات شفافة في نيجيريا هو سبب تحول الحكم إلى مشكلة بهذا الحجم في البلاد. يقول الحقوقي "نسيريموفو": "إذا لم يكن للناخبين أي دور تقريباً في النظام؛ فكيف يمكننا أن نتوقع زعماء جيدين؟". ــــــــــــــــــــــــ مراسلة "نيويورك تايمز" في أبوجا - نيجيريا ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"