لا تزال دموع الأسى والحزن تنهمر من عيون ذوي ضحايا هجوم جامعة فرجينيا التكنولوجية، رغم مرور خمسة أيام على ذلك الحادث الدموي. ورغم الصخب الصحفي الذي أحاط بالحدث، فإن أحزان العائلات، تظل خاصة بها وحدها، وممتنعة على التعميم علينا جميعاً. غير أنه يصعب جداً التثبت من هذه الحقيقة، من خلال الطريقة التي نتحدث بها عن هذه المأساة. فهل انتابتك مشاعر الحزن لحظة سماعك خبر المجزرة؟ وهل فكرت لحظة في غموض لغز الموت؟ إن كانت إجابتك نعم، فعليك أن تتوقف وألا تترك العنان لحياتك كي تمضي كما كانت، وكأن شيئاً لم يقطع عليك مسارها. ما أعنيه هو أن تؤجل حزنك هذا وأن تحضر تجمعاً تضاء فيه الشموع على أرواح الضحايا، وأن تبعث برسالة حزن إلى أحد المواقع الإلكترونية التذكارية التي أقامتها جامعة فرجينيا لضحاياها، وبعد ذلك كله فإن عليك أن تزور استشارياً نفسياً يعينك على علاج أعراض هذه الصدمة، في أقرب وقت ممكن. فقد أصبح هذا الشعور بالصدمة الجماعية بسبب ما يصيب الآخرين، جزءاً من مقدسات ماضينا القومي. وهذا هو ما يفسر نشر صحيفة "واشنطن بوست" الصادرة الأسبوع الماضي، لوصلة مصاحبة لما نشرته عن الحادث، تقود القارئ إلى حيث يمكنه الحصول على الدعم النفسي الذي يحتاجه. وكما هو الافتراض، فكأن مجرد قراءة أحدنا لما كتب من مقالات عن القتلى، كفيلة بأن تلحق به من الضرر النفسي، ما يجعله بحاجة فعلية لدعم معالج نفساني مختص! وبالمثل فقد أعلن المستشارون النفسانيون في جامعة "بافالو" التي تفصلها مسافة 500 ميل عن جامعة فرجينيا التكنولوجية التي وقعت فيها المأساة، أنهم يحاولون الوصول إلى الطلاب الذين اهتزت مشاعرهم للمأساة. وهكذا صدر سلوك مشابه في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية بدس الأنف في صدمة الآخرين وأحزانهم. على أنني أريد النأي بنفسي عن هذا الشعور الطقوسي الكاذب، الرامي إلى القول بصوت الجماعة: فنحن جميعاً ضحايا ذلك الهجوم. وفي هذا السلوك العام المبذول، استخفاف بيِّن بمشاعر الحزن الحقيقية لدى الأهل، الذين فقدوا شخصاً عزيزاً عليهم بحق، بقدر ما فيه من إضفاء حالة مرضية على استجابة نفسية عادية للمأساة. وبالطبع فإن التعاطف هو شعور إيجابي دون شك. ولكن أن نشعر بالصدمة والحزن العام لما حدث، لا يبلغ بنا حقاً مرحلة الشعور بالصدمة الفعلية أو يضفي علينا خصوصية معينة، بقدر ما هو شعور إنساني طبيعي لا أكثر. ومن المثير أن هذا الادعاء العام بتعرضنا للصدمة الجماعية كلما وقعت حادثة مروعة ما، إنما يقلل من درجة التعاطف الإنساني العام، مع أولئك الضحايا الذين لا تسلط على مآسي ذويهم أضواء الإعلام وبريقه. وعلى سبيل المثال، ففي ذات اليوم الذي وقعت فيه حادثة جامعة فرجينيا، لقي الرقيب العسكري الأميركي، "ماريو كي. دي ليون" حتفه متأثراً بجراح ناجمة عن نيران بنادق التمرد في العراق. وفي العراق نفسه كان ضحايا ذلك اليوم ما لا يقل عن 172 من المدنيين والعسكريين. لكن الملاحظ أنه ما من أحد أضاء لأرواحهم الشموع، أو أقام لهم موقعاً تذكارياً على شبكة الإنترنت! والحقيقة أنه في إصرارنا على أننا جميعاً ضحايا لحادثة إطلاق النار في جامعة فرجينيا، ما ينم عن شكل من أشكال التعامي العام، أي أن نغمض أعيننا ونتظاهر بعدم القدرة على التمييز بين شتى درجات الحزن والأسى. ففي يوم الأربعاء الماضي، أعربت صحيفة "يو إس إيه توداي" عن قلقها إزاء تأثيرات الصدمة التي شهدها أبناء الجيل الحالي، سواء ما حدث مؤخراً في جامعة فرجينيا، أم تفجيرات مدينة أوكلاهوما، أم هجمات 11 سبتمبر نفسها، وصولاً إلى كارثة المكوك الفضائي وأعاصير كاترينا... إلى آخره. ومضت الصحيفة إلى وصف الأجيال الأميركية السابقة بأنها كانت لها صدماتها الخاصة، حيث شهدت حربين عالميتين، ثم حرب فيتنام. وهنا لابد من القول عذراً لهؤلاء: لقد لقي ما يزيد على 400 ألف جندي أميركي حتفهم في الحرب العالمية الثانية، وكذلك صرع من جنودنا حوالي 58 ألفاً في حرب فيتنام... بينما تأتون أنتم لتقولوا لنا إن أبناء جيل الألفية هذه من الأميركيين قد صدم لمجرد مشاهدته صوراً محزنة عبر شاشة التلفزيون؟ وللحقيقة فإن لهذه "اللملمة" المقصودة والمتعمدة لأحداث وكوارث لا يجمع بينها جامع، إنما يفكك السياق الذي يتعين وضع كل واحدة من المآسي التي أوردتها الصحيفة المذكورة فيه. وبدلاً من مجانية هذه الأحزان، علينا أن نبحث عن سياسات قومية تحد من ظاهرة العنف في بلادنا. فذلك هو الطريق الصحيح لاحترام أرواح ضحايا العنف. ــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"