في ظل تغطية إعلامية هزيلة، عقدت المفوضية العليا للاجئين مؤتمراً الأسبوع الماضي، في" قصر الأمم" بجنيف، لمناقشة مشكلة اللاجئين العراقيين. وتقدر المنظمة وجود أربعة ملايين لاجئ عراقي، مليونان منهم نزحوا داخلياً، ومليونان آخران نزحوا إلى الخارج على النحو التالي: 1.2 مليون إلى سوريا، 750 ألفاً إلى الأردن، 200 ألف إلى السعودية وبقية دول الخليج، 100 ألف إلى مصر، 54 ألفاً إلى إيران، 40 ألفاً إلى لبنان، 10 آلاف إلى تركيا. مثل هذه الأرقام تجعل نزوح العراقيين حالياً، هو الأكبر في تاريخ المنطقة منذ عام 1948. ويمكن النظر إلى تبعات هذا النزوح على ثلاثة محاور؛ الأول: هو استنزاف الموارد البشرية العراقية داخلياً؛ وثانياً: المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الأفراد والعائلات والأطفال؛ وثالثاً: زعزعة الاستقرار والأمن الاجتماعي في الدول المجاورة. المحور الأول، يبدو جلياً من عدد الأطباء العراقيين الذين فروا من البلاد، بسبب سوء أحوال المستشفيات ونقص الأدوية والمعدات. ومثل هذا الوضع ينطبق أيضاً على بقية القطاعات الحيوية في المجتمع العراقي، مثل أساتذة الجامعات، ومهندسي الطرق والمواصلات والكهرباء، وغيرهم من الكوادر الذين تعتمد عليهم المجتمعات في إدارة شؤونها الفنية. أما المحور الثاني والمتعلق بالمعاناة الإنسانية، فيكفى للاستدلال عليه استرجاع صور المتسولين العراقيين في شوارع عمّان ودمشق، وخصوصاً من المعاقين ومن النساء والأيتام. فكثير من الأسر التي فقدت عائلها، وجدت نفسها بين عشية وضحاها دون مأوى أو مصدر دخل. وحتى الرجال الأصحاء من ذوي المهارات، يصعب عليهم الحصول على فرصة عمل، في واحدة من أعلى مناطق العالم في معدلات البطالة. وبالنسبة للمحور الثالث، المتعلق بأمن واستقرار الدول المجاورة، والمنطقة بأسرها، فبخلاف تصاعد معدلات الجريمة بسبب الفقر والحاجة اللذين يرزح تحتهما هؤلاء اللاجئون، يمكننا أن نسترجع هنا أحداث سبتمبر الأسود في الأردن، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كي ندرك فداحة العواقب التي قد تنتج عن تواجد هذا العدد الضخم من اللاجئين في غير موطنهم. وعودة للمؤتمر الذي استمر على مدار يومين، وشارك فيه أكثر من 450 شخص، يمثلون أكثر من ستين دولة، بالإضافة إلى العشرات من الهيئات الدولية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية. فللأسف، رغم هذا الحضور الدولي المكثف، اتسمت نتائج وتوصيات المؤتمر بالهزال الشديد. فعلى سبيل المثال، قررت الحكومة العراقية منح الأردن وسوريا 25 مليون دولار، لمساعدتهما على استيعاب المليوني لاجئ الذين يعيشون على أراضيهما حالياً، وهو ما يعادل 25 دولاراً فقط لكل لاجئ! أما الحكومة الأميركية، فقد قررت استقبال 20 ألفاً من هؤلاء اللاجئين على أراضيها، أو ما يعادل 1% فقط. وهو ما يدفعنا للتوقف هنا، والتساؤل عن مدى المسؤولية الأخلاقية والمادية للشعب الأميركي، تجاه اللاجئين العراقيين. بداية، نذكر المقولة الشهيرة بأن "النصر آباؤه كُثر، بينما تظل الهزيمة دائماً يتيمة". وما تعنيه تلك المقولة في حالتنا هذه، أنه لو كان قد كتب للمخططات الأميركية النجاح، لوجدنا أن كل سياسي، وكل رجل وامرأة وطفل في الولايات المتحدة، ينسب لنفسه جزءاً من هذا الانتصار. ولغمرتنا الكتب والمقالات والأفلام الهوليودية، عن مدى فطنة وحكمة وتضحية وشجاعة الفرد الأميركي، في سعيه لنشر الحرية والديمقراطية في أصقاع العالم. ولكن بما أن الولايات المتحدة هزمت في العراق، حسب تصريح "هاري ريد" زعيم الأغلبية في مجلس "الشيوخ" قبل بضعة أيام، نجد أن الشعب الأميركي برمته يتنصَّل تدريجياً من أية مسؤولية عن هذه الحرب. والآن أصبحت المسؤولية عن هذه الكارثة، تقع على كاهل حفنة من "المحافظين الجدد"، لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة، مثل جورج بوش، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وبول وولفوفيتز. ولكن يجب أن نتوقف هنا قليلاً لنتساءل، من هو المسؤول عن وضع هذه الزمرة في مواقع السلطة من الأساس؟ أليس الناخبين الأميركيين؟ فهذه الزمرة وصلت إلى السلطة عبر الاختيار الجماعي الديمقراطي، وهو ما يجعل الأميركيين جميعاً دون استثناء، مسؤولين مسؤولية مباشرة عن قرارات حكامهم، وعن تبعات مغامراتهم. ولا يمكن لأي ناخب أميركي أن يدعي أنه غرر به من قبل الإدارة الحالية، ففي المرة الثانية أعاد الأميركيون انتخاب جورج بوش، وبأغلبية ساحقة. وحسب المثل الإنجليزي "إذا خدعتني مرة فعارٌ عليك، أما إذا خدعتني مرتين فعارٌ عليَّ أنا". وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً، أن أكثر من ثلثي الشعب الأميركي كان مؤيداً لقرار غزو العراق، فستتسم حينها أية محاولة من قبل هؤلاء للتنصل من مصائب ما بعد الحرب، بالجبن والخسة، من قبل بلد يحلو لسكانه أن يطلقوا عليه "أرض الأحرار وموطن الشجعان". وهو ما ينطبق أيضاً على بريطانيا، والتي أوصدت أبوابها بإحكام أمام أي لاجئ عراقي، بعد أن كانت تفتح الباب على مصراعيه سابقاً لكل معارض لصدام حسين. ولذا يمكن أن نقول لا، لا للانسحاب الأميركي من العراق، ليظلوا يدفعون ثمن رعونة اختيارهم وطيش قادتهم. ويجب أن نقول أيضاً نعم، نعم لاستقبال اللاجئين والمشردين العراقيين في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ونعم لمزيد من المساعدات المالية للدول المجاورة للعراق، حتى لا يؤدي طوفان اللاجئين القادم إليهم إلى زعزعة استقرارهم، ودفعهم باتجاه الاضطراب الاجتماعي والانهيار الاقتصادي.