قمت بزيارة إلى ولاية "أيوا" في الأسبوع الحالي، زرت خلالها ثلاث مدن وألقيت فيها ثلاث محاضرات، والتقيت أثناءها باثنتين من هيئات تحرير الصحف المحلية هناك، فضلاً عن عقد اللقاءات والاجتماعات المشتركة مع ناشطي وقادة الجاليات المحلية، فعدت مقتنعاً بوجود عدد لا يستهان به من الناخبين المتحمسين للعمل من أجل تغيير السياسات الأميركية المنتهجة حالياً إزاء الشرق الأوسط. وأدركت مما سمعته هناك، رغبة الناخبين في أن تكون أميركا أكثر توازناً في بحثها عن إيجاد حل وتسوية للنزاع العربي- الإسرائيلي، وأن تكون هناك نهاية مسؤولة للحرب الدائرة الآن على العراق، فضلاً عن رغبتهم في معرفة المزيد عن العالم العربي والإسلام. وقد سبق لي أن زرت ولاية "أيوا" من قبل، وحاولت منذ ما يقارب الثلاثة عقود، الدفع بقضايا الشرق الأوسط إلى قلب الحوار الانتخابي القومي العام. وقد حققنا نجاحاً محدوداً في هذا الاتجاه خلال المدة المذكورة، وها نحن الآن أكثر تفاؤلاً من ذي قبل. فالناخبون يدركون أننا نخوض حرباً شرق أوسطية، ويساورهم الكثير من الشكوك حول سياساتنا إزاء العراق وعلى امتداد المنطقة بأسرها. وبسبب تتالي سلسلة من الخيبات والإحراجات والفضائح والتجاوزات المستورة، في عدد من المسائل المتعلقة بسياساتنا الداخلية والعالمية، فقد كان طبيعياً أن تصل شعبية الرئيس جورج بوش إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. ولذلك يبدي الناخبون اهتماماً ويرغبون في تغيير هذا المسار. وكثيراً ما تكرر طرح السؤال من جانبهم: ماذا ينبغي علينا أن نفعل... وكيف لنا أن نغير مسارنا في الشرق الأوسط؟ وكانت إجابتي على ذلك التساؤل، هي أن الحلول موجودة ويمكن العثور عليها في ما توصلت إليه "مجموعة دراسة العراق" في تقريرها النهائي، وكذلك في نصوص اتفاقيات جنيف، إضافة إلى ما هو متوفر في تقارير وتوصيات عدد كبير من مؤسسات ومراكز البحث العلمي. وتشمل تلك التقارير والتوصيات طائفة من القضايا الممتدة، بدءاً من كيفية تصحيح الأوضاع والسياسات الجارية في أفغانستان، وحتى كيفية إعطاء معنى ما لجهودنا المبذولة في مجال الدبلوماسية العامة. يضاف إلى ذلك أن التصورات الخاصة بهذه السياسات الجديدة متوفرة وسهلة المنال، إلا أن القيادة هي الحلقة المفقودة لترجمة هذه السياسات إلى واقع. ومن أجل التوصل إلى هذه القيادة، لابد أن يطالب الناخبون بإجراء مزيد من الحوار العام حول هذه القضايا. وها هم يبدون حماساً واستعداداً لفعل هذا، حسبما سمعته منهم في "أيوا". وقد أدهشني بحق ما رأيته من حماس عارم بين ناخبي تلك الولاية. فهناك جهد مبذول وجار، من أجل تكوين تجمعات للناخبين المهتمين بالمناداة بتبني سياسات شرق أوسطية مسؤولية. وقد شرعوا بالفعل في تنظيم الآلاف من الناخبين واستقطابهم لدعم جهودهم هذه، وهم على ثقة من أن هذه الجهود سوف تحقق غايتها. ومما يدهش المرء حقاً، اتساع مدى هذه الحركة الناشئة، وسرعة نمو قاعدتها. يذكر أنها تجمع بين العرب واليهود، وقادة دينيين من مختلف العقائد والمذاهب، فضلاً عن مشاركة ناشطي السلام والأكاديميين فيها. وأثناء اللقاء الذي أجرته معي إحدى هيئات التحرير الصحفية المحلية، توجه إليّ صحفي حاذق بالسؤال التالي: في نظرك، لماذا يبدي سكان ولاية "أيوا" كل هذا الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط، البعيد كل البعد عنهم، وهم الذين عرفوا تقليدياً بسلبيتهم واهتمامهم بما يخص لقمة عيشهم وحياتهم اليومية، مقابل تجاهلهم التام لكل ما له صلة بالسياسات الخارجية، حتى وإن كانت هذه السياسات تهم جيراننا في أميركا اللاتينية القريبة؟ وكانت إجابتي الفورية على السؤال هي أن الشرق الأوسط لم يعد بعيداً كما يعتقد البعض، بل الصحيح أنه تحول إلى أحد أهم قضايا السياسات الداخلية المحلية. وهذا هو ما أدركه سكان "أيوا". فبعد إنفاق بلادنا مليارات الدولارات في المساعدات الخارجية والعسكرية لدول الشرق الأوسط، مع تكرار فشلنا في حل نزاعاتها –إن لم نسهم في حالات كثيرة في تفاقمها وتسعير نيرانها- ها نحن نخوض حرباً جديدةً في المنطقة. وبالنتيجة فقد أهدر الكثير من الموارد المالية والعسكرية والبشرية، إضافة إلى خسارة بلادنا لوزنها وسمعتها الدولية بسبب هذه الحرب. وكل هذا أصبح يدركه سكان الولاية ويبدون حماساً من أجل تصحيحه وتغييره.