عندما قام وزير الدفاع الأميركي "روبرت جيتس" بزيارة مفاجئة إلى بغداد يوم الخميس الماضي، أي بعد يوم واحد على تفجير السيارات المفخخة في المدينة، كانت رسالته واضحة: إن التزام الولايات المتحدة تجاه العراق ليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية- وإنه حري بالحكومة العراقية أن تعمل من جانبها على وضع قائمة بالمهام التي ينبغي إتمامها. والحقيقة أن زيادة عدد القوات الأميركية في بغداد، والتي تستغرق ثلاثة أشهر، لم تُستكمل بعد؛ غير أنه بدأت تظهر على المسؤولين الأميركيين علامات الضيق ونفاد الصبر بسبب النتائج الهزيلة التي حققها المخطط الرامي إلى منح الحكومة العراقية مجالاً للتنفس من أجل اتخاذ القرارات الكفيلة بعلاج الصراع الطائفي. فاللافت أن "الزيادة" الأميركية لم تواكبها زيادةٌ مماثلة في العمل السياسي؛ حيث يتم التقدم بخطوات بطيئة بخصوص المواضيع الهامة مثل توزيع الثروات ونشاط المليشيات وموضوع المصالحة والإصلاح الدستوري، رغم أن رئيس الوزراء نوري المالكي التزم باتخاذ خطوات أمنية وقرارات سياسية في حواراته مع الرئيس بوش في يناير المنصرم. فكما أظهرت ذلك تفجيراتُ الأربعاء، مازالت السيطرة على الأوضاع الأمنية أمراً بعيد المنال؛ إذ تشير بعض التقارير إلى أن أعمال القتل، بصفة عامة، في طريقها إلى مستويات العام الماضي المرتفعة؛ وإن كانت العاصمة قد أظهرت، قبل الأربعاء على الأقل، مؤشرات على بعض التحسن الأمني؛ حيث عادت بعض العائلات إلى منازلها التي كانت قد هجرتها في وقت سابق في أحياء نصب فيها الجنود الأميركيون مخيمات لهم. بعض المسؤولين والخبراء يرون أنه من السابق لأوانه في المخطط الأمني الجديد توقع نتائج ملموسة. غير أن بوش وزعماء في الكونجرس بحثوا، عندما اجتمعوا الأربعاء الماضي من أجل إيجاد حل لخلافهم بخصوص تمويل الحرب، جدوى وقيمة وضع معايير غير ملزِمة على الأقل للتقدم السياسي في العراق. ومعلوم أن الكونجرس تبنى فكرة وضع معايير بالنسبة للتقدم السياسي العراقي مقابل استمرار الوجود العسكري الأميركي. إلا أن بعض المراقبين يعاتبون الأميركيين قدر معاتبتهم للعراقيين، على اعتبار أن الولايات المتحدة لم تضغط على القوى السياسية العراقية بشكل فعال. وفي هذا الإطار، يقول "ليث كبة"، المدير بقسم الشرق الأوسط في مؤسسة "ناشيونال إنداومانت فور ديمكراسي" في واشنطن ومستشار رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري: "كنت أعتقد أنه بعد أن يرى العراقيون والأميركيون بعض النور في الأفق، سيتحركون بسرعة أكبر. والحال أنهم مازالوا يجرون أقدامهم". ولئن كان بعض المسؤولين العراقيين يشددون على أن التقدم الحقيقي يتم إحرازه وراء الكواليس، فإن المخاوف تتعاظم من أن تؤدي الوتيرة البطيئة في العمل السياسي إلى وقوع أحداث من قبيل تفجيرات الأربعاء، وبالتالي تكريس تأخير العمل السياسي. ومن جهة أخرى، أثار انسحاب ستة وزراء موالين للزعيم الديني المتشدد مقتدى الصدر من الحكومة، أسئلة إضافية هذا الأسبوع، وفي مقدمتها: هل سيؤدي ذلك إلى إبطاء العجلات أكثر أو إفساح المجال لاتخاذ قرارات صعبة؟ وخلال جولته الشرق-أوسطية، أخبر وزير الدفاع جيتس زعماء المنطقة بأن رحيل الوزراء الصدريين ربما يشكل خطوة إيجابية في حال نتجت عنه حكومةٌ أكثر تمثيلية للشعب العراقي؛ إذ من شأن ذلك تعبيد الطريق للعمل العراقي على صعيد تيسير خطوات المصالحة. كما يرى آخرون في التعديل الحكومي بعض الأمل. وفي هذا السياق، يقول "هينري باركي"، الخبير في الشؤون العراقية بجامعة "ليهاي" بولاية بنسلفانيا الأميركية: "إذا استطاع المالكي تعيين تكنوقراط أكثر كفاءة، وليسوا مشاغبين مثل الصدريين، فقد يكون ذلك أمراً جيداً بالنسبة للحكومة وسيسمح لها بإنهاء الأمور العالقة". بالمقابل، يرى بعض الخبراء أن نظام المالكي الذي لا يتجاوز عمره عاماً واحداً، حُمِّل أكثر مما يحتمل. وفي هذا السياق، يقول "بول هيوز"، الخبير في الشؤون العراقية بـ"معهد السلام" في واشنطن: "إننا نطالب الحكومة العراقية بالكثير في وقت قصير"، مضيفاً قوله: "والحال أنهم ما زالوا يتلمسون طريقهم". ويرى هيوز، وهو عقيد متقاعد في الجيش الأميركي، أنه بدلاً من التركيز على تحديد المعايير للعمل العراقي، على الولايات المتحدة أن تضع نصب عينيها إحرازَ تقدم في الجوانب المدنية كإعادة الإعمار والتنمية الاجتماعية، إذ يقول: "سيخدم الكونجرس الشعبَ الأميركي بشكل أفضل لو أنه حاول معالجة العنصر المدني من تدخلنا". لكن يرى آخرون أن أفضل طريقة للمساهمة في جعل الحكومة العراقية تتحرك، إنما تكمن في الدفع بالدبلوماسية الإقليمية، وهي فكرة دعت إليها في ديسمبر الماضي "مجموعةُ دراسة العراق". وفي هذا الإطار، يقول كبة: "إذا استعملنا التأثير والنفوذ الإقليميين، فإن ذلك سيثير المخاوف، مما سيدفع العراقيين إلى التحرك والسعي إلى التوصل إلى توافقات بشأن بعض المواضيع الحساسة". التشريع الخاص باقتسام عائدات النفط، مثلاً، تمت الموافقة عليه من قبل حكومة المالكي، وإن كان لا بد له من اجتياز عقبة البرلمان أيضاً. إلا أن كبة يرى أن معظم الاهتمام تركز على موضوع النفط، في حين أن التعديلات الدستورية –مثلما وُعد بها السنة حين وقعوا على الدستور عام 2005- هي التي تعطل تحقيق مصالحة أوسع. وفي هذا الصدد، يقول كبة: "إن التركيز على النفط يعطي الانطباع بأننا إذا أعطينا السنة نصيبهم من النفط، فسيهدؤون. والحال أن المسألة مختلفة"، مضيفاً: "الواقع أن التعديلات الدستورية هي جوهر المشكلة، إلا أنه لا أحد تحرك بخصوص هذه النقطة. إنهم يلفون حول المشكلة كما لو أنه لا بأس من إهدار عام آخر". هاورد لافرانتشي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "كريستيان ساينس مونيتور" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"