لسنوات طويلة دأب المحتفلون بيوم الأرض على معانقة الأشجار، أو ارتداء ملابس ترمز إلى الأنواع النباتية الأكثر تعرضاً للخطر، مشيدين في الوقت نفسه بفضائل زراعة الأشجار وحمايتها. لكن هذه السنة يكتسي الاحتفال بيوم الأرض -اليوم الأحد 22 أبريل الجاري- حلة جديدة، حيث يركز على مسألة الاحتباس الحراري التي باتت تؤرق العديد من الخبراء والمختصين، بالإضافة إلى التوعية بأخطاره المحتملة على مستقبل الحياة على كوكب الأرض. والجديد أيضاً في هذه السنة هو ما كشفته مجموعة من المسوح والاستبيانات عن تنامي الاهتمام الشعبي بقضية التغيير المناخي والقلق الذي بات يخلفه في نفوس العديد من المواطنين. فحسب تقرير أعده مركز جامعة "يل" الأميركية حول السياسات والقوانين البيئية هناك "تغير جوهري في المواقف الشعبية إزاء قضايا البيئة والاحترار الأرضي، بحيث وصلت نسبة الأميركيين المهتمين بذلك إلى 83% خلال السنة الحالية مقارنة مع 70% في 2004". ويؤكد هذا الاتجاه "ويليام مومو"، خبير في المناخ من جامعة "توفتس" الأميركية قائلاً "لقد شهدت الستة أشهر الأخيرة تغيراً سريعاً في الوعي الشعبي ومواقفهم من التغير المناخي، وذلك على نحو غير مسبوق". ويضيف "مومو" أن عدد المحاضرات التي ألقاها على امتداد الخمس سنوات الماضية ارتفع على نحو ملحوظ في السنة الأخيرة. وفي كثير من الأحيان يجد "ويليام مومو" نفسه بعد الانتهاء من إلقاء محاضراته حول التغير المناخي محاطاً بحشود من الأشخاص يطرحون عليه الأسئلة ويرغبون في الحصول على معلومات أكثر. ومن بين الأشخاص المهتمين بفهم آلية التغير المناخي وتأثير ذلك على الطقس "سوزي كاربنتر" التي تعيش في ولاية أريزونا. فقد لاحظت "سوزي" تغيراً ملحوظاً في الطقس خلال مواسم الصيف قائلة "عندما كنت صغيرة كان المطر يتساقط مدراراً كل ليلة في فصل الصيف، واستمر ذلك طيلة مرحلة الطفولة إلى أن بلغت العشرين، والآن تراجعت التساقطات المطرية في الولاية، وأصبحنا نعاني من شحٍ في الأمطار". فلماذا كل هذا الاهتمام المتزايد بالاحترار الأرضي؟ الواقع أن هناك مجموعة من العوامل التي تتضافر لتفسير هذا الاهتمام على رأسها الاهتمام الإعلامي،حيث بدأت تنشر مواضيع تتطرق إلى البيئة على الصفحات الأولى للمجلات والصحف. يضاف إلى ذلك الفيلم الوثائقي الذي أنجزه "آل جور" حول ظاهرة الاحتباس الحراري. هناك أيضاً الاهتمام السياسي، لاسيما بعد سيطرة "الديمقراطيين" على الكونجرس وبث جلسات الاستماع على شاشة التلفزيون، فضلاً عن التقارير المتتالية التي تعدها الوكالات الحكومية المختلفة، وتحذر فيها من خطورة ارتفاع درجة الأرض وتداعياتها على الأمن القومي. ولا ننسى أيضاً تأثير بعض السياسيين البارزين في الولايات المتحدة ودفعهم في اتجاه حماية البيئة مثل حاكم ولاية كاليفورنيا "أرنولد شوارزنيجر" الذي أبدى اهتماماً كبيراً بقضية البيئة لتحسين موقعه السياسي. فقد وقع حاكم كاليفورنيا في شهر سبتمبر الماضي على قانون "الاحترار الأرضي" الرامي إلى خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول 2020، وبنسبة 80% عام 2050. وليس ذلك فقط، بل لقد دخلت المحكمة العليا الأميركية على الخط بإصدار قرارها في الثاني من الشهر الجاري القاضي بتخويل وكالة حماية البيئة الأميركية صلاحية تنظيم نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، فضلاً عن الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري. وبالنسبة لبعض الأشخاص كان حضورهم لبعض المحاضرات كفيلاً بتغيير مواقفهم إزاء البيئة وإقناعهم بالانخراط في معركة الدفاع عن الأرض وتحسيس الآخرين بخطورة ظاهرة الاحتباس الحراري. وهو ما حدث بالضبط لـ"شيلا سوليفان" التي ما إن استمعت إلى العرض الذي قدمه "آل جور" في إحدى القاعات المكتظة بجامعة أريزونا الحكومية حتى قررت تغيير أسلوبها في الحياة بما يتماشى مع احترام البيئة. فقد تخلت عن سيارتها الكبيرة وتنازلت عن ركوبها ما أمكنها ذلك، كما قامت بتركيب مصابيح كهربائية خاصة قليلة الاستهلاك. وقد شرع عدد متزايد من الأميركيين في تبني مواقف مشابهة وفي تغيير أنماطهم الحياتية التي تقوم على الإفراط في استهلاك الطاقة حفاظاً على البيئة. وفي هذا الإطار أظهر الاستبيان الأخير الذي أجراه مركز جامعة "يل" أن 81% من المستجوبين يوافقون على "مسؤولية الفرد والمواطن في التقليص من خطر الاحتباس الحراري"، كما أجمع 63% من المستطلعة آراؤهم على أن "الولايات المتحدة تتهددها أخطار بيئية مرتبطة بالتلوث بنفس القدر الذي تتهددها فيه أخطار الإرهاب". وتقول "ميليسا جودال"، مديرة مركز "يل": "لقد كان الاحتباس الحراري مفهوما فضفاضاً في السابق بالنسبة للعديد من الناس، لكنه أصبح اليوم ملموساً على نحو أكبر". ولم ينحصر الوعي بخطورة الاحترار الأرضي على النخب السياسية في واشنطن، أو في الولايات، بل امتد أيضاً إلى المدن والنخب المحلية التي اهتمت بقضية البيئة وقادت وراءها الجماهير. فقبل عامين تحدى عمدة مدينة سياتل "جريج نيكلز" باقي المسؤولين في المدن الأخرى بتبني أهداف بروتوكول "كيوتو"، ودعا في هذا الإطار إلى خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 7% بحلول 2012، حيث سرعان ما استجاب المسؤولون وعبأوا الرأي العام لتقبل الأمر. وحسب الدراسات التي أجرتها المؤسسات المتخصصة فإن قضايا البيئة لم تعد قاصرة على البالغين فقط، حيث كشف استبيان للرأي شمل 1657 طالباً أميركياً بين 6 و18 سنة أن 64% منهم سبق وأن ناقشوا موضوع الاحترار الأرضي في الصفوف الدراسية، وأن معظمهم أبدوا قلقهم من تنامي الظاهرة وتأثيرها السلبي على مستقبل كوكب الأرض.