تبدو تلك الاتفاقية النووية الأميركية- الهندية، التي طالما نُظر إليها في واشنطن على أنها تجسيد حي لعمق علاقات الصداقة بين البلدين، في مهب الريح الآن. ويعود السبب في ذلك إلى الجدل الدائر بين المسؤولين الهنود حول ما إذا كانت القيود التي تحاول واشنطن فرضها على الأنشطة النووية الهندية، تمس بسيادة بلادهم أم لا؟ وبالنتيجة فقد دخلت تلك الاتفاقية التي أعلن الرئيس بوش من قبل، ثم حظيت بمصادقة الكونجرس عليها، في نفق سياسات حظر الانتشار النووي المظلم المعقّد. وبالنتيجة أيضاً فقد أخفق الاتفاق في الإجابة عن السؤال الجوهري الأهم: هل يتعين أن تعامل الهند بصفتها دولة نووية يحق لها إجراء الاختبارات النووية ومعالجة نفايات الوقود النووي؟ وفيما يبدو فقد تبين أن الإجابة عن هذا السؤال لهي أكثر تعقيداً مما تصور الكثيرون. وكان هذا النزاع قد نشب، عندما حاولت الدولتان– أميركا والهند- التفاوض حول ما يعرف بـ"الاتفاق 123" الذي ربما يحظر على الهند إجراء أي اختبارات أسلحة نووية جديدة، إلى جانب فرضه قيوداً على معالجة نفايات وقودها النووي. ويشير الرقم 123 إلى بند من بنود قانون الطاقة النووية الأميركي. وتُبدي الولايات المتحدة مخاوف من أن تستغل معالجة نفايات الوقود النووي في إنتاج مادة البلوتونيوم المساعدة على تطوير جيل جديد من الأسلحة النووية، وبالتالي تكون قد نسفت من الأساس حجة الرئيس بوش القائلة إن هذا الاتفاق الاستثنائي النووي الذي عقدته بلاده مع الهند، من شأنه أن يحفز جهود حظر الانتشار النووي المبذولة. وعلى الرغم من أنه يصعب القول حتى هذه اللحظة بموت الاتفاقية الأميركية الهندية هذه، فإن القضايا المثارة حولها، لهي من التعقيد والتشابك إلى حد يشير إلى مدى الصعوبة البالغة التي يواجهها كل من الرئيس بوش ورئيس الوزراء الهندي "مانموهان سينج" في تجاوز عقباتها. وكان مفاوضون أميركيون وهنود قد عقدوا لقاءات مشتركة فيما بينهم على هامش اجتماع مجموعة دول الإمدادات النووية الـ45 الذي عقد خلال الأسبوع الماضي في جنوب أفريقيا. ومن جانبهم أوضح المفاوضون الأميركيون أن بلادهم قد قدمت سلفاً الكثير من التنازلات لصالح المطالب الهندية، بينما شرع عدد من مسؤولي إدارة بوش في ممارسة الضغط على نيودلهي. وكما قال :"آر. نيكولاس بيرنز"، وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فقد خاب ظننا أن تستمر هذه المسألة لكل هذا الوقت، وكان أملنا أن تنتهي خلال مدة أقصر مما استغرقت بكثير. وأضاف هذا المسؤول خلال حوار صحفي هاتفي أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس الماضي: غير أننا لا نشك في حسن نواياهم، لأنهم أصدقاؤنا. وإني لعلى يقين بأننا سوف نتجاوز هذه العقبة. وذكر "بيرنز" أن دعوة رسمية قد وجهت إلى "شيف شانكار مينون"، وزير الخارجية الهندي، لزيارة واشنطن للتفاوض حول الأمر في شهر مايو المقبل. وفي ذات الوقت خطط السيد "بيرنز" للقيام بزيارة مشابهة إلى نيودلهي. هذا وسوف يحدد إكمال هذه الصفقة الأميركية الهندية، ما إذا كان يحق لنيودلهي شراء الوقود النووي والمفاعلات من الولايات المتحدة الأميركية أو أي بلد آخر. وحتى يتم التوقيع النهائي على اتفاق الـ123 المشار إليه آنفاً، فسوف تلتزم مجموعة دول الإمدادات النووية الـ45، بالإبقاء على أبوابها مغلقة أمام التعامل التجاري مع الهند في المواد والإمدادات النووية. وكان الاتفاق النووي الأميركي- الهندي الذي جرى الإعلان عنه في شهر مارس من العام الماضي 2006، قد أعطى الهند حق تطوير التقنية النووية السلمية المدنية، وبذلك يكون قد تخطى حظراً تواصل فرضه على الهند في هذه التقنية على امتداد عدة حقب، ما دفع نيودلهي إلى التمسك بمعارضتها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. يُشار إلى أن الهند قد حازت على السلاح النووي منذ 30 عاماً وأجرت أول اختبارات نووية لأسلحتها هذه في عام 1998، وهو ما ردت عليه جارتها المنافسة باكستان باختبار نووي مماثل. غير أن الهند ترغب في ذات الوقت، في تطوير تقنيتها النووية السلمية، أملاً في سد حاجتها المتعاظمة للطاقة. لذلك وفي مقابل السماح لها بشراء المفاعلات والوقود النووي من السوق العالمية– بموجب الاتفاق الذي أبرمته مع واشنطن في هذا الصدد- فقد وافقت نيودلهي على فتح منشآتها النووية المدنية أمام عمليات التفتيش الدولي، مع العلم أنها وعدت بفصل المنشآت السلمية المدنية هذه، عن نظيرتها العسكرية. ومن جانبه أبدى الكونجرس العام الماضي، موافقة أولية على أن تمضى الإدارة قدماً في ابتياعها المعدات والمواد النووية الأميركية للهند. وكان قد أشيد بهذه الخطوة التشريعية الأميركية في كل من واشنطن ونيودلهي، باعتبارها رمز لتعاظم أهمية الهند ودورها في السياسات الخارجية الأميركية. هذا وقد تحولت الخطوة نفسها إلى مصدر لممارسة المزيد من الضغوط في واشنطن، سلباً وإيجاباً معها. هذا وقد اعترضت عدة جماعات معنية بحظر الانتشار النووي على الاتفاق الأميركي- الهندي المذكور. ويرى ممثلو هذه الجماعات أن إدارة بوش وبمبادرتها هذه، تكون قد أرست سابقة سيئة بموافقتها على بيع المواد والمعدات النووية لدولة عرفت بتعنتها ورفضها على امتداد السنين، التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. وقال معارضو الصفقة هذه، إن السيد بوش لم يتقيد مطلقاً في مساهمته المباشرة في تطوير جيل جديد من ترسانة الأسلحة النووية الهندية. أما على الصعيد الداخلي الهندي، فلم يدخر رئيس الوزراء مانموهان سينج، كل ما لديه من رأسمال سياسي في الترويج لتلك الصفقة داخلياً، حيث تسود الشكوك حول المصالح الأميركية، لا سيما بين العلماء النوويين الهنود، وحلفاء الحكومة اليساريين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سوميني سينجوبتا مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في الهند ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"