ضمن الحديث عن الإيجابيات العديدة التي انطوت عليها الاستراتيجية الاتحادية، التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الثلاثاء الماضي، حثّ القطاع الخاص ورجال الأعمال على القيام بمسؤولياتهم الاجتماعية والمشاركة في دعم وتنمية المجتمع المحلي، مشيراً سموه إلى أنه لو قامت الشركات ورجال الأعمال بدفع زكاة أموالهم لكان العائد ضخماً جداً، في حين أن صندوق الزكاة لم يحقق سوى عائد يبلغ نحو 48 مليون درهم! كما لم تغب عن سموه -ضمن رحلة الصراحة والمكاشفة- الإشارة إلى وجود شركات لا تلتزم بواجباتها حيال عمالها وموظفيها، وهذه جزئية تستحق التوقف ملياً، لأن سموه ذكر ما يحجم الكثيرون عن قوله ولكن الصمت لم يعد ممكناً لأن هذه الممارسات باتت مرتبطة بشكل وثيق بالصورة النمطية للدولة في الخارج، وأيضاً بمكانتها وموقعها ضمن مؤشرات التنمية البشرية والتقارير الدولية المتخصّصة التي تعدّ بالنهاية مرجعاً حيوياً لرجال الأعمال والشركات الباحثة عن فرص الاستثمار الأفضل وبيئات العمل الأكثر توافقاً مع معايير العمل الدولية. المرونة والديناميكية التي تتسم بها الاستراتيجية بحيث تصبح قابلة للتطوير والتعديل وفقاً لأي متغيّرات طارئة هي أيضاً جزئية بالغة الأهمية، لأن الزمن لا يتوقف وأجواء المنافسة العالمية تتسارع بوتيرة متغيّرة والسباق يزداد شراسة في ظل محاولات اللاعبين البارزين عالمياً الاقتراب من المواقع المتقدّمة، وبالتالي يصبح من المنطقي والمفيد أن تتسم أي استراتيجية بالدينامكية والاحتكاك المتواصل بأجواء المنافسة وبيئة العمل المحيطة إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن أجواء التنافسية العالمية باتت على درجة متزايدة من القوة والتسارع بين اللاعبين التقليديين أو المعروفين من ناحية، ولاعبين زاحفين بإرادة واضحة نحو صدارة المنافسة الدولية من ناحية أخرى. الشمولية وعدم تغييب التفاصيل هي أيضاً من أبرز سمات الاستراتيجية الاتحادية، فمؤشرات التنافسية العالمية تقيس الأداء في مختلف الدول من جوانب شتى، وتعتمد على كفاءة ومعيارية العمل في قطاعات مختلفة مثل البنى التحتية والاقتصاد الكلّي والصحة والتعليم الأساسي والمؤسسات العامة، فضلاً عن محفزات أو معزّزات الكفاءة التنافسية مثل التدريب والتعليم العالي وكفاءة السوق والاستعداد التكنولوجي وأجواء الإبداع والابتكار ومكافحة البيروقراطية، باعتبار أن تحقيق التنافسية الاقتصادية لا يرقى نحو الأفضل سوى من خلال تطوّر متزامن ومتوازٍ في مختلف هذه القطاعات. دولة الإمارات احتلت المرتبة الأولى ضمن تقرير التنافسية العربية للعام الحالي وجاءت كأفضل بلد عربي ضمن مجموعة دول المرحلة المتقدّمة من التطور الاقتصادي، والتي تضم 40 اقتصاداً على مستوى العالم، ولكن طموحنا نحو الزحف للمقدّمة يجعلنا نتذكّر أن أمامنا 28 دولة تفصلنا عن تبوأ المرتبة الأولى عالمياً، وعن حلم مشروع قابل للتحقيق في ظل هذا الحماس الذي يستند إلى مقوّمات واقعية وإنجازات تحقّقت وأخرى بالانتظار، ولذا علينا أن نتذكر أن التقرير ركز على ضرورة تطوير التعليم في دولة الإمارات، مشيراً إلى حاجة الحلقتين الأولى والثانية إلى معالجة عاجلة كي نضمن قوة عاملة مؤهّلة تضمن استمرارية قوة الدفع التنموية الحالية مستقبلاً، ما يعني ضرورة التخلّي عن تطوير التعليم من قمة الهرم، أو من شهادة الثانوية العامة كما نفعل حالياً، ونحرق المراحل ونتخلّى عن منهج "التطوير بقرار" بعيداً عن البحث والدراسة والنقاش مع المتخصّصين في الميدان، فلا يعقل أن نختزل مشكلات التعليم الهيكلية في عام "الثانوية العامة" وبضعة رتوش تجميلية في مناهج هذه السنة الدراسية أو تلك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.