مؤلف هذا الكتاب هو محمد يونس، عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل للسلام بفضل جهوده وعبقريته في مكافحة الفقر في وطنه الفقير بنجلادش. ولد محمد يونس في ضاحية "شيتاجونج" الساحلية البنغالية في عام 1940، ثم تلقى تعليمه العالي في جامعة دكا، ومنها ابتعث لدراسة علم الاقتصاد في جامعة فندربلت بالولايات المتحدة الأميركية، بمنحة من مؤسسة "فولبرايت". وفي عام 1972 عاد إلى بلاده وتولى عمادة كلية الاقتصاد بجامعة شيتاجونج. غير أن المعلم الرئيسي والأكثر بروزاً في سيرة محمد يونس الذاتية، هو إنشاؤه ومشاركته في إدارة بنك "جرامين" Grameen المخصص لتقديم القروض الصغيرة المحدودة للفقراء، ضمن خطة تبناها لمكافحة الفقر المدقع في بلاده. ونتيجة لذلك الجهد، فقد حصل محمد يونس والبنك الذي أنشأه، على جائزة نوبل للسلام عام 2006. ورغم بساطة الفكرة التي بدأ بها محمد يونس مشواره، إلا أنها أحدثت ثورة كبيرة في مجال مكافحة الحرب على المستوى العالمي. وتعود نشأة البنك المذكور إلى عام 1983، حيث استهدفت القروض المصرفية الصغيرة التي يقدمها البنك، أكثر شرائح المجتمع البنغالي فقراً. على أن إشعال جذوة الحماس وروح المبادرة الفردية الشخصية لدى أبناء وبنات هذه الشرائح الاجتماعية، يسبق من حيث الأهمية، توفير المال نفسه. والفكرة هنا بالطبع ألا تستهلك تلك القروض المالية المحدودة في مواجهة ضائقة معيشية ما، أو تستنزف بأي صورة من الصور، وإنما أن تستثمر القروض وتدار بذكاء حتى تسهم في تخليص الفرد من ربقة الفقر مرة واحدة وإلى الأبد. وتعود شرارة تلك الفكرة إلى يوم ما من عام 1972، أقرض فيه محمد يونس من ماله الشخصي، مبلغاً قدره 27 دولاراً لاثنين وأربعين من فقراء البنغال في إحدى القرى الريفية. وكان هؤلاء يعملون بحرفة صنع المقاعد، لكن ينقصهم رأس المال اللازم لشراء ما يحتاجونه من مواد خام لحرفتهم. وبالفعل فقد ساعدهم ذلك القرض الصغير المحدود في كسر دائرة الفقر، وتغيير نمط حياتهم بالكامل. ويقوم المبدأ الذي عمل عليه محمد يونس في مجال مكافحة الفقر، على أن حق الفرد في اعتمادٍ أو رأسمالٍ ما، يعد في مقدمة الحقوق الأساسية للإنسان. أما على مستوى التنفيذ فما أبسط الفكرة: امنح الفقراء قرضاً مالياً وفق شروط ملائمة لهم، ثم قم بتعليمهم بعض المبادئ المالية الذكية والمفيدة، ثم اتركهم يشقون طريقهم من عالم الفقر إلى عالم أكثر ملاءمة وإنسانية. وسرعان ما نما ذلك البنك وتمكن من توفير قروض مالية محدودة بلغت قيمتها نحواً من 3.8 مليون دولار، وزعت على 2.4 مليون أسرة بنغالية فقيرة في الريف. وقد حققت النتائج العامة لهذه الفكرة العبقرية، نجاحاً باهراً في جهود مكافحة الفقر هناك. واليوم فقد أنشئ ما يزيد على 250 مؤسسة عالمية على غرار تجربة "بنك جرامين" وشرعت جميعها بتطبيق المبادئ العامة لمصرف الفقراء، مساهمة منها في جهود مكافحة الفقر العالمي، في ما يزيد على المئة دولة من مختلف أنحاء العالم. بل بلغ الأمر في تطوير هذه الفكرة إلى حد سك مصطلح اقتصادي جديد للتعبير عنها وشرح مختلف دلالاتها، ألا وهو "الاقتصاد الشعبي". ومما يحسب لصالح هذا الكتاب، أنه كتب لكي يقرأه عامة الناس، فضلاً عن المتخصصين. ولذلك فقد خلا من التعقيدات النظرية الاقتصادية التي تستعصي على فهم غير المختصين في المجال، لأن هدفه في الأساس هو رفع الوعي العام بكيفية مساعدة الفقراء في التحرر من نير فقرهم. وبصفته مفكراً ومثقفاً، فإن مبلغ ما أراده من كتابه هذا، هو كيف يمكن الوصول إلى الفقراء ومساعدتهم على تحسين ظروفهم وأوضاعهم المعيشية، وكيف يمكن للاستثمار الهادف والواعي اجتماعياً أن يحقق غاياته. وتتسم النظرية الاقتصادية التي قامت عليها تجربة محمد يونس برمتها، بكونها ذات طابع تطبيقي عملي، أكثر من تعويلها على التنظير الاقتصادي بحد ذاته. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك الفرع الوحيد الصغير الذي بدأ به "بنك جرامين" في عام 1983، قد أصبح له حوالى 1190 فرعاً تنتشر في 43258 قرية من قرى الريف البنغالي. وبهذه الضخامة والانتشار المصرفيين الهائلين، فقد تحول البنك نفسه إلى قوة جاذبة للعمالة، حيث بلغ حجم موظفيه نحواً من 11.850 ألف موظف. وليس ذلك فحسب، بل إنه بنك مملوك بنسبة 93% لحملة أسهمه من الفقراء، بينما بلغت نسبة القروض الممنوحة منه للنساء على وجه خاص 95%. ولصاحب الفكرة بالطبع نظريته الخاصة بضرورة تأهيل النساء في مجالي التعليم والإسهام في تحسين الدخل الأسري. وبالفعل فقد أحدثت هذه المشاركة الاقتصادية الواسعة للنساء في الاقتصاد الريفي البنغالي، تحولاً هائلاً من ظروف الفقر المدقع إلى رحاب الحياة الممكنة على أقل تقدير. ويشمل ذلك التحول، تحسين مستوى الاهتمام بتعليم الأطفال والخدمات الصحية والعناية بالطفولة والأمومة. ولذلك يمكن القول إجمالاً إن الجوانب والقضايا التي ناقشها الكتاب، تقع في أربعة أبواب هي: الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية، مشكلات الفقر، والدراسات النسوية. عبد الجبار عبد الله الكتاب: صيرفي الفقراء المؤلف: محمد يونس الناشر: دار "بلاكستون" للنشر تاريخ النشر: 2007