تصطدم جهود إنشاء مزيد من محطات توليد الطاقة -إضافة إلى استعمال الوقود البيولوجي- مع مورد حيوي وأساسي هو الماء؛ ذلك أن محطةً لتوليد الطاقة تستعمل، من أجل توفير الكهرباء لأسرة متوسطة الحجم، ضعف ما تستعمله هذه الأسرة من الماء لأغراض الاستحمام والشرب والغسيل، ثلاث مرات. كما يشكل مجموعُ كمية الماء التي تستهلكها شركات إنتاج الكهرباء 20 في المئة من المياه المستهلكة في الولايات المتحدة من غير تلك المخصصة للزراعة. ومن المتوقع أن يرتفع استهلاك هذه الشركات بحلول عام 2030 إلى 60 في المئة من المياه غير المخصصة للزراعة، حيث تستعملها من أجل التبريد وإزالة الشوائب. ويُرجح أن يصبح تحدي "الماء مقابل الكهرباء" أكثر استعصاء وصعوبة في المناطق التي تعرف نمواً سريعاً في الولايات المتحدة مثل الجنوب الشرقي والجنوب الغربي القاحل. ويرى الباحثون أنه بالنظر إلى الظروف المناخية الحالية، فإن تواصل النمو في هذه المناطق قد يؤدي في النهاية إلى قيود على استعمال الماء أو استعمال الكهرباء، أو كليهما خلال الأشهر الحارة حين يعرف الإقبال على هاتين المادتين ارتفاعاً كبيراً. وإذا أضفنا إلى ذلك عامل تغير المناخ، فإن الآفاق تبدو قاتمة. وهو ما دفع شركات إنتاج الكهرباء إلى البحث عن طرق للتخفيف من الضغط. في ولاية نيومكسيكو مثلاً، يسعى العلماء والمهندسون جاهدين إلى إيجاد حل لهذه المشكلة. وتعد محطة سان خوان لتوليد الطاقة واحدةً من مصادر الطاقة الرئيسية في الولاية. ويشكل خزان "نافاخو" الذي يقع على حدود الولاية مع كولورادو، مصدرها الرئيسي من مياه التبريد. وحسب البحوث الأولية التي أُجريت في "معهد لوس ألاموس الوطني"، فإن فترة جفاف لثلاث سنوات تقتضي من مستعملي الخزان، في ظل الظروف المناخية الحالية، خفض استهلاكهم من المياه بنسبة 18 في المئة. أما الجفاف لفترة ثلاث سنوات إضافة إلى ارتفاع في الحرارة بمتوسط درجة واحد "سيلسيوس"، فيعني انخفاضاً بنسبة 65 في المئة بنهاية العام الثالث. وفي هذا الإطار، يقول "أندرو وولفسبورج"، المهندس المائي في المختبر: "إن الأمر لا يتعلق فقط بحوض نهر سان خوان"، مضيفاً أنه في حال قررت الولايات المتحدة تطوير كميات النفط الحجري في جنوب ولاية كولورادو، وهي عملية من المرجح أن تستهلك كميات كبيرة من الماء، فسيكون من الصعب في تلك الحالة ضمان الاستمرار في عملية الاستغلال. بيد أن تحولاً إلى الوقود البيولوجي على نطاق واسع من شأنه أيضاً، حسب رونالد بيت، الباحث في "مختبر سانديا الوطني" في ألبوكويرك، أن يتطلب كميات كبيرة، بل أكبر، من الماء. وحسب تقرير لوزارة الطاقة حول الموضوع، صدر في ديسمبر الماضي، فإن قلة الماء وجودته أصبحتا خلال السنوات الخمس الماضية حججاً وأوراقاً يلوِّحُ بها المناوئون لإنشاء محطات جديدة عبر البلاد. وحسب بعض التقديرات، فإن شركات إنتاج الكهرباء تخطط لإنشاء 150 محطة لتوليد الطاقة باستعمال الفحم في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاثين المقبلة. وفي هذا الإطار، يقول "توماس فريلي"، المدير بـ"مختبر الطاقة الوطني" في بيتسبورغ التابع لوزارة الطاقة الأميركية: "لقد بدأت الشركات تدرك أن الماء أصبح موضوعاً لا يقل أهمية عن موضوع جودة الهواء". والواقع أن الاصطدام الممكن بين الماء والطاقة والمناخ لا يقتصر على الولايات المتحدة، إذ يقول "كريستوفر فليفن"، رئيس "معهد وورلدووتش"، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية تعنى بشؤون الطاقة في واشنطن: "إنها مشكلة كبيرة في مناطق أخرى قاحلة وشبه قاحلة من العالم". ولعل التحدي الأكبر هو ذاك الذي تواجهه الصين والهند؛ إذ تواجه هذه الأخيرة مثلاً -يتابع فليفن- نقصاً خطيراً في الماء، في حين أن الحكومة المركزية في الصين بصدد فقدان السيطرة على برامج تخطيط الطاقة في البلاد نظراً لاندفاع الحكومات المحلية نحو إنشاء مزيد من محطات توليد الطاقة. وإذا صحت التوقعات بخصوص المناخ، فإن الطلب على الطاقة الحرارية قد يواصل ارتفاعه في المستقبل بموازاة مع ذوبان الكتل الثلجية في القطبين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تقلص كمية الكهرباء التي تستطيع السدود توليدها. وبالرجوع إلى الولايات المتحدة، ينكب العلماء حالياً على بحث طرق الحد من استهلاك الماء في محطات توليد الطاقة، وإيجاد مصادر مائية بديلة. وفي هذا الإطار، تم الشروع في ويست فرجينيا، مطلع فبراير المنصرم، في إنشاء محطة لتوليد الطاقة باستعمال الفحم، يُنتظر أن تحصل على المياه التي تحتاجها من نفس المنجم الذي يستخرج منه الفحم. ورغم أن المحطة منشأةٌ تجارية، إلا أنها تعد أيضاً –حسب "جوزيف دونوفان" الذي يرأس "مركز البحوث المائية" بجامعة ويست فرجينيا في مورجان تاون- اختباراً للمقاربات حول استغلال الفرشات المائية التي يمكن إيجادها في المنطقة. وفي محطة "سان خوان" في نيومكسيكو -يقول "تيموثي جونس" مدير الموارد المائية بالمحطة- إن المختصين "يبحثون جملة من المقاربات الرامية إلى تقليص كمية الماء التي تستهلكها المحطة". وفي هذا الإطار، يُنتظر أن تختبر المحطة في يونيو المقبل تصميماً جديداً للتبريد يقوم على إعادة تدوير البخار المكثف الذي ينبعث من أنابيب المحطة. ويذكر هنا أن المحطة تعيد تدوير الماء بواقع 20 إلى 50 مرة قبل أن يتبخر أو يصبح غير صالح للاستعمال. كما تبحث المحطة إمكانية الاستفادة من الماء المنتَج أثناء استخراج النفط والغاز في المنطقة. بيتر سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"