الصين قبلة العالم في الاقتصاد الذي ينمو لديها قرابة 8% وهو الأعلى على مستوى العالم أجمع، فالصين التي حلت ضيفاً مرحباً به في اليابان منذ أيام غير تلك النموذج من التمرد على كل أمر طبيعي في سبيل بسط النفوذ والتوسع الأفقي على حساب التوسع الرأسي الذي فاقت به اليابان منذ عقود. تغيرت الجغرافيا لصالح الصين في اليابان وقفزت على التاريخ الذي لم يشفع لكلا الطرفين، وهو تاريخ يجب أن تتمزق صفحاته ويرمى بعضها في بحر الصين والبعض الآخر في أفواه البراكين الرابضة على صدر اليابان التي لم تستسلم لقدرها في الحروب العالمية سيئة الذكر، كما أنها لم ترضخ لشروط الزلازل والبراكين المدمرة. فقد استطاعت بفضل رجاحة ميزان العقل التغلب على أقدارها وصناعة أقدار جديدة تتناسب مع تطور الحياة في تغيراتها التي لا تترك الأمور كما هي، وإنما كما تريد لها أن تكون وإلا تحجرت الحياة في مكانها وتجمدت دماء التجديد في عروق الرافضين لسنن التغيير في هذا الكون. إن الصين في اليابان، لحظات تاريخية فاصلة في حياة الأمم التي تغذت واقتاتت الحروب في فترات الظلام الفكري والثارات التي أكلت من أعمار البناء في الشعوب وأورثت جذور الهدم والدمار في أوقات هي أحوج إلى الشفيع المنقذ وهو الذي تأخر على هاتين الإمبراطوريتين عقوداً طويلة، حتى جاء وقت تغيير الجغرافيا لصالح التكنولوجيا، ورمي التاريخ خلف كثبان الاقتصاد الذي شكل العنصر المشترك بين الدولتين اللتين لم تشفع لهما الجيرة المتقاربة لسنوات باعدت وغيرت الأوضاع في البلدين الشيء الكثير. أهدت الصين في عام 2006 للعالم من حولها قرابة عشرة ملايين فرصة عمل في كل الأماكن التي استطاعت أن تمد جذورها فيها، وهو رقم ضخم إذا قورن بنسب وأعداد العاطلين عن العمل على مستوى العالم كافة، وهذا ما يعني اقتصادياً المساهمة الفعلية لحل معضلة اقتصادية ترافق عمليات التنمية في كل دول العالم. فإذا كانت السياسة المفرق الرئيسي بين أقرب جارين فقد آن الأوان لكي يقرب الاقتصاد ما جنت يد الساسة في السنوات المعتمة. فمن باب المصالح المتبادلة بين شعوب العالم قاطبة فإن الصين تعتبر من الدول التي تضم أكبر سوق لاستهلاك البترول. ففي غضون سنوات قليلة فإن السوق الصيني بحاجة إلى قرابة 50 مليون برميل من النفط يومياً وهو معدل لم تصل إليه أي دولة موازية، وهي بشارة مفتوحة للدول المنتجة للنفط لعقود قادمة. لقد تراجع العالم المتقدم وعلى رأسه أميركا عن الاهتمام بما حدث في ميدان "تيانامين" وإهدار حقوق الإنسان وتقدمت عليه زجاجة الكوكاكولا، عند كلينتون في أحد أحاديثه في الأوقات العصيبة التي مرت بها الدولتان، ولا ننسى قوله: إننا في أميركا لو صدرنا إلى الصين المشروبات الغازية لاكتفينا بذلك منها. فكيف إذا علمنا بأن بعض القرى النائية في الصين تستخدم الهاتف النقال عن طريق الأقمار الاصطناعية مباشرة نظراً لعدم وصول البنية الأساسية لخدمة الاتصالات الحكومية إلى تلك القرى كما أورد ذلك "فريدمان" في كتابه "اللكزس وشجرة الزيتون" أثناء زياراته الصحفية إلى هناك. الصين هي الدولة الوحيدة في العالم إلى الآن التي نجحت في الجمع بين نظامين متناقضين في آن واحد، وهو نظام سياسي شمولي لم تتزعزع منه شعرة ونظام اقتصادي منفتح على الآخر، وهذا هو العنصر المعجز في الصين. بل إن الممكن هناك أخرج من بطن المستحيل وفق النظريات العلمية التي لا تصدق حصول ذلك، ولكنه في الصين حدث.