من بين الإيجابيات العديدة التي انطوت عليها "الاستراتيجية الاتحادية" التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الثلاثاء الماضي، تحديد الأهداف بدقة، والغوص في التفاصيل بشكل تشريحي يوحي بإلمام صانعي القرار في الدولة بحقائق الأمور في مختلف قطاعات العمل، وأن الزيارات المفاجئة ومتابعة الأداء في كثير من هذه القطاعات لم تكن سوى انعكاس لرغبة جدية في التعرف إلى الواقع قبل الانطلاق إلى آفاق واعدة ومراحل تنموية أكثر طموحاً، على اعتبار أن القيمة الحقيقية للاستراتيجيات تكمن في امتلاك المقدرة على ترجمة بنودها إلى واقع تنفيذ يلمسه المواطنون، الذين هم بالنهاية هدف كل هذا العمل والجهد، لا إلى مجرد بلورة الأهداف وصياغتها ضمن وثائق ورقية. تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية هي من بين النقاط المضيئة المتضمنة في الاستراتيجية الاتحادية أيضاً، فإيواء العمالة "خيانة وطنية" من دون لبس أو مواربة بعد أن فاض الكيل ووصل المخالفون إلى أرقام تثير القلق، كما أن الأداء في بعض الوزارات والدوائر الحكومية بات متخلفاً، وهو وصف ربما تحفّظ الكثير من المراقبين المحليين على استخدامه في توصيف هذه الخدمات وذلك بدافع "الرقابة الذاتية" التي تدفع هؤلاء إلى دائرة التردد عند استخدام مسميات كهذه، حتى وإن عبّرت تعبيراً حقيقياً عن الواقع الفعلي. ولكن لأن من يطمح إلى تسلق جدار "التنافسية العالمية" يحتاج إلى الارتكاز على أرض صلبة فقد استخدم سموه هذا اللفظ في لحظة تاريخية بدت غريبة ولافتة على مشهد عربي يعج بالإخفاقات وتغييب الحقائق وتجاهل مواضع القصور. "لا مجال للحلول الوسط في التعليم لأننا دون التعليم كمن يحرث في البحر" هذه الكلمات التي وردت على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هي منهاج عمل لوزارة التربية والتعليم خلال المرحلة المقبلة، فلا حاجة لنا بمنهج التجربة والخطأ ولا داعي للتجريب في أبنائنا وبناتنا، وإنما هناك حاجة ملحة للانطلاق من خطط مدروسة ودقيقة لا تقف في المناطق "الرمادية" ولا تستند إلى التصريحات الدعائية في تسويقها وترويجها بقدر ما تستند إلى مؤشرات ودراسات وتجارب وخبرات حقيقية. ثمة جزئية بالغة الأهمية تتعلق بالعمالة المنزلية أيضاً، التي دأبت الصحافة المحلية في الآونة الأخيرة على تكرار الحديث عن عقودها ورغبة بعض الدول المورِّدة في رفع الحد الأدنى للتعاقدات وغير ذلك دون أن تكلّف صحافتنا نفسها عناء رسم استراتيجية إعلامية طويلة الأمد للتوعية بضرورة تخفيض مستويات الاعتماد على العمالة المنزلية تمهيداً للتخلص منها نهائياً في مراحل تالية، إذ من الصعب الاستمرار في قبول طوفان العمالة المنزلية الذي يتزايد يومياً رغم الحديث المتكرر عن التضخم والأعباء المعيشية والأخطار الثقافية الناجمة عن الاعتماد على الخدم والخادمات في تربية النشء، ناهيك بالطبع عن الحقيقة القائلة بأن 10% من "العمالة الوافدة" هي عمالة منزلية لا تمثل قيمة نوعية للاقتصاد الوطني! من الروائع والمبادرات الخلاقة أيضاً أن يعلن سموه على الملأ رفض مبدأ "التوطين القسري" أو "التوطين بقرار وزاري"، فمواطنونا ومواطناتنا يستحقون أفضل من هذه السياسات والقرارات التي تفرز نتائج سلبية على الإنتاجية وعلى المواطنين أنفسهم فنحن بحاجة إلى "توطين نوعي" حقيقي لا مجرد مؤشرات وأرقام تضع المواطن في مناصب شكلية تنفيذاً للقرارات وكفى! عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية