في الثلاثين من أبريل الجاري، وعقب سلسلة من التأجيلات التي اقتضاها انعدام الثقة حتى في "جورج تنيت"، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، تنوي دار "هاربر كولينز" نشر كتاب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، الذي يحمل عنوان "في قلب العاصفة"، الذي دون فيه مذكراته الشخصية. ويقع هذا الكتاب في 511 صفحة، على أن تطبع منه 300 ألف نسخة. وكما نشر عنه في الصحف وفي عدة مواقع مختصة بتسويق الكتاب، فقد كان من المفترض صدوره مبكراً، خاصة وأن مؤلفه قد تسلم سلفاً مبلغ أربعة ملايين دولار كدفعة أولى. ولكن من الواضح أنه أودع نسخة منه إلى وكالته السابقة، حتى تتم مراجعة المحتوى الاستخباراتي فيه، باباً وراء الآخر، قبل حصوله على موافقة النشر في منتصف شهر مارس الماضي. وبالنسبة لرابطة قومية معنية بنقد الكتب، فقد جرت العادة أن نتلقى نسخة من الكتاب قبل أشهر عديدة من نشره. غير أن الذي حدث مع كتاب "جورج تنيت" المذكور، هو أن "السي آي إيه" تعاملت معنا بالسرية ذاتها التي تتعامل بها مع تحليل مضامين خطب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ومن جانبها أيضاً، أعلنت دار "هاربر كولينز" حظراً على نشر أي أجزاء من الكتاب، فيما عدا بعض الصحف والمؤسسات الإعلامية الكبيرة. أما رابطتنا فقد اطلعت على عرض واف لمضمونه في مجلتي "تايم" و"فانيتي فير" وسع من نطاق دائرة انتشاره، ما تسرب عن الكتاب في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية المعنية بالكتب، إلى جانب ظهور المؤلف نفسه في بعض البرامج التلفزيونية وبحسب ما نشر وتسرب عن الكتاب حتى الآن في عدد من الصحف والمجلات والمنابر الإعلامية، فقد نفى "تنيت" أن يكون هناك فشل استخباراتي صاحب هجمات 11 سبتمبر أو غزو العراق من جانب وكالته. ومما لا شك فيه أن في مثل هذا النفي ما يصنع الأخبار الجديدة. ولكن لنذكر بهذه المناسبة، أن أفكار "كل شيء تحت السيطرة وعلى ما يرام" هي التي كانت سبباً في الرواج الواسع الذي حظيت به مذكرات الرئيس الباكستاني برويز مشرف، المعنونة "في خط النار". وكان "مشرف" قد سخر في كتابه ذاك من الهواجس والقلق اللذين أحاطا بصفقة الأمان التي أبرمها مع زعماء القبائل في منطقة وزيرستان وغيرها. وللحقيقة فإن هذا النوع من الكتب الصادرة عن كبار مسؤولي الإدارة السابقين، أو عن كبار الصحفيين، لا تتسم بقدرتها على الرواج وتحقيقات أعلى مبيعات الكتب فحسب، وإنما تتحول إلى أجهزة ومجسات للكشف عما كان يجري داخل أروقة الإدارة في وقت ما. ومن هذه الكتب، كان قد ذاع صيت كتاب "ثمن الولاء" الذي أعده الكاتب الصحفي "رون ساسكن" مع "بول أونيل"، وزير الخزانة الأميركية السابق، وحقق مبيعات عالية للغاية. والسبب أن الرئيس بوش كان قد أهان وزير خزانته، بينما أراد هذا الأخير الانتقام لكرامته الجريحة. أما كتاب سيرة حياة "كولن باول"، الذي أعدته كارين دي يونج بالتعاون مع كولن باول، فقد انتشر هو الآخر وحظي باهتمام ملحوظ، بسبب أن غربة وزير الخارجية السابق عن إدارة بوش الحالية، كان واضحاً للجميع تقريباً. وكان كل من راقب "باول" أو عرفه، يدرك هذه الحقيقة، بالنظر إلى منظومة القواعد الأخلاقية التي يتبناها "باول" على الصعيدين الشخصي والمهني. ولذلك فقد كان طبيعياً ألا يتمكن "باول" من قول ما يريده فعلاً أثناء تصريفه لشؤون وزارة الخارجية، إلا على نحو غير مباشر، وعلى ألسنة الآخرين. وعند قراءتنا لهذا الكتاب، فلا شك أننا سنجد فيه شيئاً جديداً إلى حد ما، أراد أن يقوله "تنيت". وإلا فكيف له أن يقبض القيمة الفعلية للشيك الذي استلمه؟ من بين ذلك ربما كان أشد قسوة على زملائه ممن خارج دائرة السلطة الآن، من أمثال دونالد رامسفيلد أو بول وولفوفيتز، من أن يقسو في انتقاده للرئيس بوش. وهل لك أن تتخيل أصلاً أن يصف "جورج تنيت"، الذي كان شديد المرافقة والملازمة لقائده الأعلى، أن يصف بوش بأنه كان أشبه برجل أعمى داخل غرفة تغص بالبكم والصم؟! وهل لأحد منا أن يتوقع أن يسعى هذا المخبر السابق، أن ينثر علينا من الأسرار والخفايا، ما يساعد على كشف الحقيقة وسط هذا الضباب الكثيف الذي تحيط به الإدارة ممارساتها، ويخلد به ذكرى أدبية باقية لسيرته وللتاريخ؟! وعلى سبيل الاستعارة اللغوية، فإن على الأرجح أن يكون الكتاب، سلاحاً من أسلحة الملل الشامل، بالتقابل مع صيغة "أسلحة الدمار الشامل" العراقية المزعومة. كارلين رومانو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس سابق للرابطة القومية لنقاد الكتب وأستاذ جامعي في الفلسفة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"