بعد مضي عدة شهور على سقوط قائد كوبا الثوري فيديل كاسترو مريضاً، واختفاءه عن الأنظار، فإن الأمر الواضح هو أن هافانا، قد انتقلت إلى ما يمكن لنا أن نطلق عليه عهد ما بعد فيديل كاسترو. والسؤال الآن هو: هل ستحذو واشنطن حذو هافانا وتنتقل هي الأخرى إلى عهد ما بعد كاسترو. يذهب البعض إلى أن هناك خلاف بين الحالتين، وأن الانتقال الأميركي مسألة مختلفة جد الاختلاف. غير أن الأمر الملاحظ مع ذلك هو أن إدارة بوش قد أظهرت مؤخراً نوعاً جديداً من المرونة في مجال السياسة الخارجية منها مثلاً الصفقة النووية التي توصلت إليها مع كوريا الشمالية، والمباحثات التي دشنتها بغية تطبيع العلاقات مع بيونج يانج، وكذلك الاتصالات التي أجرتها مع كل من سوريا وإيران، والدفع بقوة من أجل استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حسنا... وماذا عن كوبا؟ من الملاحظ في هذا السياق، أن "راؤول كاسترو" الذي يتولى مهام الرئيس في كوبا مؤقتاً، والخليفة المعين لـ"فيديل"، قد دعا مرتين لمفاوضات بين الولايات المتحدة وكوبا. وهذه المحاولة من جانب "راؤول" تستدعي منا رداً إيجابياً خصوصاً وإننا يمكن أن نستفيد من ذلك التواصل بالتفاوض حول رفع مستوى التعاون بين الدولتين في مجال التصدي لتجارة المخدرات، والهجرة غير الشرعية، واستعادة الهاربين الأميركيين المقيمين في كوبا، واتخاذ الإجراءات المتعلقة بحماية البيئة الأميركية على ضوء أن كوبا تنقب حالياً على النفط في المناطق البحرية القريبة من سواحلنا. وبقدر ما نحن بحاجة إلى التوصل إلى اتفاقيات مع كوبا، فإننا بحاجة- ربما بقدر أكبر- إلى التوصل إلى اتفاقية جديدة مع أنفسنا بشأن سياستنا تجاه هافانا. أقول هذا لأن نهجنا في التعامل مع كوبا ظل محكوما لفترة طويلة من الزمان بالاعتبارات الانتخابية. فالعقوبات المتصاعدة الشدة دوماً، التي كانت تتخذ ضد كوبا، كانت تهدف ضمن ما تهدف إلى كسب الأصوات الانتخابية في ولاية فلوريدا سواء لصالح "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" على حد سواء دون، أن يكون لهذه العقوبات أي أثر في الدفع باتجاه التغيير في كوبا. وفي الوقت الراهن حيث تقف كوبا على حافة التغيير، فإننا بحاجة إلى النظر إلى المسألة بشكل مختلف وخصوصاً بعد أن قام "راؤول" الاشتراكي المخلص البالغ من العمر 75 عاما باتخاذ بعض الخطوات المتضاربة منها احتجاز عدد من الناشطين في مجال الدعوة للديمقراطية، ثم الإفراج عن بعضهم بعد ذلك، والاستمرار في مضايقة المنشقين وإصدار الأوامر بفتح باب النقاش العام حول سياسات الماضي القمعية. وهو يعترف بأن دوره انتقالي، وأنه مجرد جسر يصل ما بين فيديل كاسترو والجيل التالي، وأن الأمر الذي يهمه أكثر من غيره هو إعداد المسرح للبقاء الطويل الأمد للاشتراكيين في كوبا. نستطيع أن نتنبأ باطمئنان إلى أن "راؤول" سيسعى إلى تحقيق هذا الهدف من خلال الإصلاح الاقتصادي، وخصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا سجله الإصلاحي منذ ثمانينيات القرن الماضي. و"راؤول" لا يزال يواصل نهجه الإصلاحي هذا حيث قام مؤخراً بتكليف عدد من خبراء الاقتصاد الكوبيين بتطوير خيارات سياسية تصب في خانة الإصلاح. وهو ما دعا أحد المنشقين المعروفين على النظام وهو "فلاديميرو روكا" إلى أن يطلق عليه لقب" المصلح الكوبي الأول". وهذا النهج أدى إلى رفع سقف التوقعات لدى المواطن الكوبي بشأن قدرة راؤول على معالجة المشكلات المزمنة التي تعاني منها البلاد مثل المركزية المفرطة ومشروعات القطاع العام المفلسة، والإنتاج المتدني للمزارع، والفروقات الحادة في المداخيل، وحل مشكلات جيل جيد من الشبيبة الكوبية التي لم تعرف شيئاً سوى الحاجة والفاقة والتضحية. ليس هناك شك في أن تحقيق انفراج اقتصادي، سيؤول إلى توفير دعم سياسي للحكومة التي ستأتي بعد "فيديل كاسترو"، لأن هذا الانفراج هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق النمو، وتوفير الوظائف والدخل الأعلى الذي يمكن أن يوفر أملاً للكوبيين الصغار السن وأجوراً أكثر عدالة للمدرسين والأطباء وغيرهم من الفئات التي تم نسيانها في كوبا في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. كيف يمكن لنا في أميركا أن نستجيب لتلك الاحتمالات؟ يجب أن تشرع الإدارة الأميركية في وضع حد لإصرارها على عدم الاستجابة لدعوات التعامل مع كوبا، إلا إذا ما قامت تلك الدولة بالتحول الكامل للديمقراطية وحرية السوق، لأن هذا الموقف يجافي الواقع الذي تنبني عليه الكثير من المواقف التي اتخذناها تجاه التعامل مع كوريا الشمالية والصين وفيتنام وغيرها من المجتمعات الشيوعية. ويجب على الكونجرس من جانبه أن يعمل على بناء الجسور مع كوبا بدلاً من وضع الحواجز. ويجب على الإدارة أيضاً أن تتخلى عن نهجها القائم على قطع الاتصالات الشخصية بين الأميركيين والكوبيين وإيقاف التبادلات الأكاديمية والزيارات الشخصية والعائلية والبرامج الدينية والإنسانية. وفكرة إدارة بوش من إتباع هذا النهج تقوم على فرضية أن تقليص السفر والزيارات من قبل الأميركيين لكوبا سوف يؤثر بالسلب على مداخيل كوبا من العملة الصعبة، ويعجل بوضع نهاية لنظام كاسترو، وهي سياسات عقيمة بالطبع خصوصاً لو أدركنا أن نظام كاسترو قد ظل في الحكم لما يقارب الخمسين عاماً. ليس هذا فحسب، بل إن الاقتصاد الكوبي نجح وعلى الرغم من تلك السياسات من تحقيق نسبة نمو بلغت 7.5% العام الماضي. ويجب علينا في نهاية المطاف أن نتحد حول المبدأ الذي يؤمن به "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" على حد سواء وهو المبدأ الذي ساعد الغرب على النجاح في الحرب الباردة، وهو أن الانفتاح على الآخرين يعد مصدراً للقوة وليس خضوعاً للطغاة والزعماء الديكتاتوريين. وفي كافة الأحوال فإن اللعبة السياسية الانتخابية يجب ألا تحول بيننا وبين التواصل مع 11 مليون كوبي عاشوا تحت وطأة الشيوعية لمدة 48 عاما كاملة. تشارلز بي. رانجيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو "ديمقراطي" بمجلس النواب عن ولاية نيويورك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جيف فليك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عضو "جمهوري" في مجلس النواب عن ولاية أريزونا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"