في مايو المقبل، يُنتظر أن يلقي "ميت رومني"، الحاكم السابق لولاية ماساتشوسيتس وأحد المرشحين "الجمهوريين" لانتخابات 2008 الرئاسية، خطاباً بجامعة "ريجينت" بولاية فرجينيا. والواقع أنها فرصة مواتية بالنسبة لـ"رومني" كي يناقش موضوع المذهب "المورموني" أمام جمهور ذي غالبية بروتستانية. وإذا كان الرئيس السابق جون كينيدي قد سعى، عندما تحدث أمام رجال دين بروتستانت في هيوستن عام 1960، إلى تبديد المخاوف التي كانت تنتاب البعض من أنه سيخضع، باعتباره رئيسا كاثوليكياً، لأوامر وتوجيهات البابا، فإن "رومني" يواجه الأمرَ نفسه اليوم باعتباره ينتمي إلى الطائفة "المرمونية". غير أنه يواجه، إضافة إلى توجس الأميركيين من هذه الكنيسة ومن تأثيرها السياسي المحتمل، جهلهم بها. إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن عدداً متزايداً من الأميركيين مستعدون لقبول امرأة أو أميركي من أصل أفريقي رئيساً للبلاد أكثر من استعدادهم لقبول عضو من الكنيسة "المرمونية". واللافت أن المسيحيين البروتستانت في قاعدة الحزب "الجمهوري" ليسوا الوحيدين الذين يرون في ديانة "رومني" حجر عثرة؛ ذلك أنه حتى في أوساط الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين، فإن نصفهم تقريباً يقولون إنهم لن يدعموا فرداً من الطائفة "المرمونية" ليصبح رئيساً للولايات المتحدة. ثم إنه بالرغم من أن "المرمونية" تًعد رابع أكبر مذهب في الولايات المتحدة (إذ يبلغ عدد المنتمين إليه نحو 5.6 مليون شخص)، فإن 57 في المئة من المستجوَبين في استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس" التلفزيونية مؤخراً، قالوا إنهم يعرفون القليل أو لا يعرفون شيئاً بخصوص معتقدات الطائفة "المرمونية" وممارساتها. وبالتالي، يتعين على "رومني" أن يكون معلمهم، سواء رغب في هذا الدور أو لم يرغب. ومن الأسباب التي تدفع الأميركيين إلى التوجس من الكنيسة "المرمونية" هو الطابع العشائري المغلق للطائفة "المرمونية". إذ يُتوقع من كل ذكر "مرموني" محترم أن يتطوع لخدمة الكنيسة؛ ونتيجة لذلك، فإن الضغط على وقته نادراً ما يترك له الفرصة لنسج علاقات صداقة مع جيرانه من غير "المرمون". ثم إن "مرمونياً" صالحاً هو "مرموني" مشغول؛ وهو ما يفسر في الواقع الصعوبة والمشقة التي يجدها الأشخاص الذين يعملون أساقفة –مثل "رومني"- في إمضاء أمسيات في بيوت "المرمون". وعلاوة على ذلك، فإن كثيراً من الناس ينظرون إلى "المرمون" باعتبارهم أناساً غامضين يتوخون السرية المطلقة. فالمراسيم الدينية– بل وحتى حفلات الزفاف- تُغلق في وجه من هم من غير "المرمون". كما يُطلب من أعضاء الكنيسة ألا يكشفوا لغيرهم عما يحدث في الداخل. والواقع أن هذا الموقف هو الذي يغذي ويؤجج الاتهامات بالسرية وممارسة الطقوس اللاأخلاقية التي تلاحق "المرمون". وإذا كان "رومني" قد اضطر أثناء حملته للدفاع عن كنيسته وتبرءتها من معتقدات وممارسات تخلت عنها قبل نحو مئة عام، فإن حقيقة أن الناخبين مازالوا يخلطون بين كنيسته والطوائف "المرمونية" الأصولية التي مازالت تجيز تعدد الزوجات وزواج الأطفال إنما يمثل سبباً آخر يفرض على المرشح أخذ الوقت الكافي لوضع الأمور في نصابها الصحيح. على "رومني" إذن أن يبدد قلق الجمهور وتوجسه بطريقة واضحة ومفهومة؛ لاسيما وأن أي صحفي سبق له أن كتب حول الكنيسة "المرمونية" يعلم أن المنتمين إليها يتحدثون بطريقة معينة بينهم، وبطريقة أخرى مختلفة مع الناس من خارج كنيستهم. والحال أن الأمر هنا لا يتعلق بازدواجية في الخطاب، وإنما هو نتيجة المعاني المختلفة جداً التي تربطها العقيدة "المرمونية" بكلمات تشترك فيها مع المذاهب المسيحية الأخرى. ثم هناك مسألة المرجعية في الكنيسة "المرمونية"، والالتزامات التي على من يشغل منصباً رسمياً مثل "رومني" أن يتخلى عنها. إذ تتوفر الكنيسة "المرمونية"، وعلى غرار الكنيسة الكاثوليكية، على بنية دينية تراتبية تضع المرجعية النهائية في رجل واحد. غير أنه خلافاً للبابا، فإن رئيس الكنيسة "المرمونية" يُعتبر أيضاً "نبي" الله. وإذا كان "رومني" سيخاطب بجامعة ريجينت جمهورا من المسيحيين المحافظين الذين يعتبرون "الكتاب المقدس" وحده المرجعية العليا في ما كل ما يتعلق بالعقيدة والأخلاق، فإن مهمته لن تكون باليسيرة. ولكن، كيف سيدافع "رومني" حينها عن نفسه في مواجهة من يتهمونه بأنه سيخضع لتأثير وتوجيهات "نبي" كنيسته في حال وصوله إلى البيت الأبيض؟ الواقع أنه يتعين على "رومني" أن يدعو المنتقدين إلى مراجعة سجلات كنيسته وتاريخها؛ فالحاكم السابق لولاية ماساتشوسيتس ليس أول أو أشهر "مرموني" يشغل منصباً رسميا مهماً. وهنا يتبادر مباشرةً إلى أذهاننا "هاري ريد" زعيمُ الأغلبية بمجلس الشيوخ من ولاية نيفادا، والسيناتور "أورين هاتش" من ولاية يوتا –ناهيك عن والد "رومني"، "جورج"، حاكم ولاية متشيجن السابق، الذي تنافس على الفوز بترشح الحزب "الجمهوري" للانتخابات الرئاسية عام 1968. ثم إنه لا يوجد أي دليل على أن مرجعيات الكنيسة حاولت التأثير على أي من هؤلاء الموظفين العاميين؛ بل على العكس من ذلك، ذلك أن زعامة الكنيسة هي مما لا شك فيه ذكية بما يكفي لتدرك– مثلما في حالة القساوسة الكاثوليك مع الرئيس كينيدي- أن من شأن أي ضغط على "رومني" في حال وصوله إلى البيت الأبيض أن يضر بالكنيسة نفسها ويؤذيها. وهو ما أوضحه "رومني" بولاية نيوهامبشر في فبراير الماضي حين قال:"إن كنيستي لا تملي علي أو على أي أحد آخر السياسات التي ينبغي أن نتبعها". وبناء عليه، فيتعين على الناخبين أن يقبلوا بهذا الكلام، اللهم إلا إذا كان ثمة ما يثبت عكس ذلك. إن المواضيع المشار إليها أعلاها تمثل مشكلات حقيقية تشغل بال العديد من الناس؛ وعلى "رومني" أن يغتنم الفرصة لتناولها في الخطاب الذي من المزمع أن يلقيه بجامعة "ريجينت"؛ غير أن لا شيء من هذه التحفظات الشعبية من الكنيسة "المرمونية" ينبغي أن يكون سبباً للتصويت على "ميت رومني" أو ضده. ويبدو أنه مكتوب على التاريخ أن يشهد لحظة "مرمونية" في السياسة الرئاسية، تماما مثلما شهد لحظة كاثوليكية عندما وصل كينيدي إلى البيت الأبيض. والآن، وقد أتت هذه اللحظة، فإن القسط الأكبر من العمل يقع على كاهل "رومني". كينيث وودورد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مؤلف كتاب مقبل حول الديانات الأميركية منذ 1950 ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز