"الطريق الثالث" يهيمن على الانتخابات الفرنسية... وعجز دولي تجاه مأساة دارفور سيطرت على الصحف البريطانية الصادرة هذا الأسبوع متابعة وتغطية مسار حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المتوقع إجراؤها في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، إضافة إلى تطورات الانتخابات الرئاسية النيجيرية، والموقف الدولي تجاه مأساة دارفور. فرنسا الجديدة وآفاق أوروبا بهذا المعنى نشرت صحيفة "ذي أوبزرفور" يوم الأحد الماضي، افتتاحية جاء فيها إن فرنسا تدخل انتخاباتها الرئاسية المقبلة وهي معتلة الصحة، بسبب ركود وضعف نموها الاقتصادي، وكذلك بسبب الوهن الذي أصاب نظامها الاجتماعي. وفوق ذلك ونتيجة لتمسكها بنظام الرعاية الصحية، فقد تراكمت عليها ديون بدأت تستنزف منها ما تعادل نسبته 64 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، كي تتمكن من سدادها سنوياً. وعلى الرغم من أن الوصفة الناجعة لعلاج هذه المشكلات من المنظور البريطاني، هي"النهج التاتشري" نسبة إلى رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر، وهي التي تشمل خفض حجم الإنفاق العام والضرائب، وحماية الصناعة المحلية مع حفز التنافس الاستثماري، وتحرير سوق العمل. غير أن الفرنسيين يبدون تعففاً من هذه الوصفة الأنجلوساكسونية. وكما شهدنا من قبل، فإن محاولات إصلاح هذا النظام لم تفشل فحسب، وإنما دفعت بمئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع، وأدت إلى إقالة بعض الوزراء من مناصبهم. ولعل هذا ما يفسر ميل المرشحين الرئاسيين الرئيسيين، "سيجولين رويال" عن "اليسار"، ومنافسها "نيكولا ساركوزي" عن "اليمين"، إلى تبني طريق ثالث بين الفردية المحافظة واشتراكية نهج الرعاية الصحية، أي استعارة بعض محاسن تجربة بلير الإصلاحية. غير أن الفارق بين بلير والرئيس الفرنسي الجديد، أن الأول ورث نظاماً اقتصادياً جرى إصلاحه سلفاً، بينما سيرث الأخير نظاماً اقتصادياً واهناً وراكداً. والحق أن فرنسا تبدو اليوم أكثر انقساماً على نفسها، مما كان عليه حال بريطانيا في عقد الثمانينيات. على أن كل هذا لا ينفي قدرة فرنسا على إلهام القارة الأوروبية كلها، فيما لو نجحت مساعي الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي فيها، بحكم القواسم المشتركة العامة بين النظم الأوروبية السائدة اليوم. فرصة فرنسا الذهبية وكأن تناغماً صحفياً قد حدث في تناول الصحافة البريطانية لمسار الحملة الانتخابية الفرنسية، ومتطلبات المرحلة السياسية المقبلة! فقد واصلت مجلة "ذي إيكونومست" الصادرة في الثاني عشر من الشهر الجاري تسليط الأضواء على الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فتنشر مقالاً تحليلياً للكاتب "بريدجمان ريكس"، جاء فيه أن العلاج الطارئ والملح لكل هذه الأدواء التي يعانيها النظام الاقتصادي الاجتماعي الفرنسي، هو تسريع عجلة النمو الاقتصادي. ويتطلب هذا بالضرورة، تبني إجراءات تحرير جذري للعمل ولأسواق المنتجات والبضائع والخدمات، إلى جانب إطلاق حرية التنافس، وفرض القليل من الحماية للأسواق المحلية. وتتضمن الإجراءات كذلك، خفض الضرائب والإنفاق العام، مع إحداث هزة قوية في قطاع الخدمات العامة. وقال الكاتب، إنه ما من هذه الإجراءات قد تمت مناقشتها على نحو جدي طوال الستة والعشرين عاماً الماضية، سواء في ظل رئاسة "فرانسوا ميتران"، الممثل لتيار "اليسار"، أم في ظل الرئيس اليميني جاك شيراك. ومضى الكاتب إلى القول إن تلك هي الفترة التي تحركت فيها دول أوروبية أخرى، من بينها هولندا وأيرلندا ومجموعة الدول الإسكندنافية باقتصاداتها ونظمها الاجتماعية نحو الأفضل، ودون أن تلحق ضرراً بنظام الرعاية الاجتماعية الذي تتبناه. وهنا يكمن التحدي الأكبر الذي ينتظر الرئاسة الفرنسية الجديدة، ومن ثم تكمن فرصتها أيضاً. الضعف الديمقراطي في نيجيريا ذلك هو عنوان المقال الافتتاحي الذي نشرته صحيفة "الجارديان" الصادرة بتاريخ 16 أبريل. فمع اقتراب توجه الناخبين لحسم نتائج الانتخابات التي ستجرى اليوم الخميس، إذا بالحكومة وهي تسبق الناخبين إلى تحديد الكثير من الخيارات التي كانت متاحة أمامهم! وإن سألنا كيف؟ فإن الإجابة المباشرة هي أن حكومة الرئيس الحالي، "أوليسيجون أوباسانجو"، قد حكمت بعدم أهلية عدد كبير من المرشحين المعارضين لها، وبالتالي حرمانهم من خوض الانتخابات أصلاً. وعليه فإن التركة السياسية التي سيخلفها الرئيس "أوباسانجو"، غالباً ما تعصف بها انتخابات نيجيرية مزورة أخرى. ولنذكر بهذه المناسبة أن انتخابات عامي 1999 و2003، قد صحبتها ممارسات غش وتزوير واسعة النطاق، أفضت إلى أحداث عنف دموي، طال خرابها مؤسسات التعليم العام والرعاية الصحية، إضافة إلى ما صحبتها من عمليات نهب وحرق للممتلكات الخاصة والعامة. والحقيقة التي لا بد من تقريرها من الآن، هو أن انتخابات العام الحالي، قد أزهقت من أرواح النيجيريين سلفاً، ما فاق عدد قتلى الحملات الرئاسية الانتخابية السابقة. هذا ويصعب التكهن بما سيحدث فعلياً بعد بدء عملية الاقتراع اليوم، لا سيما مع هذه الجهود المستميتة التي تبذلها حكومة "أوباسانجو"، لحرمان نائب الرئيس "عتيقو أبوبكر" من خوضها. مأساة دارفور وارتباك السياسات تحت هذا العنوان نشرت صحيفة "الجارديان" بتاريخ 16 أبريل، مقالاً تحليلياً قالت فيه إن هناك ملمحين غريبين يسيطران على الحوار الدائر الآن حول الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور السوداني. أولهما نزوع مؤيدي التدخل لزيادة وتسريع خطى عملية التدخل هذه، وثانيهما هو تواتر بروز أزمة العراق والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني في مجريات ذلك الحوار، بين الفينة والأخرى. وقال كاتب المقال إنه ظل مرتبكاً إزاء هذه الثنائية والتداخل الغريبين حتى تسنت له مؤخراً قراءة كتاب "التواطؤ مع الشر" لمؤلفه "آدم ليبور". وعلى الرغم من أن ذلك الكتاب قد حصر نقاشه بالدرجة الأولى، على فشل الأمم المتحدة وعجزها عن التصدي لجرائم التطهير العرقي التي شهدتها منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي، فإنه استخلص منه الاستنتاجات الرئيسية التي يمكن تعميمها عند تناول عجز المجتمع الدولي عن وقف المأساة الإنسانية الجارية حالياً في إقليم دارفور. إعداد: عبد الجبار عبد الله