يثار بين حين وآخر، نقاش حول اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات؛ دوره وحضوره في المشهد الثقافي المحلي، ونستمع في كل مرة إلى آراء متعددة يذهب أكثرها إلى تحميل إدارة الاتحاد مسؤولية انفضاض أعضائه عنه، وتركه للفراغ والغبار يعيثان فيه. وهذا صحيح من جوانب عدة، لكنه لا يخص اتحاد الكتّاب وحده، بل هو حال معظم المؤسسات الأهلية التي تعمل في الثقافة. ومن يتابع الأنشطة الثقافية، يكتشف قلة عدد من يحضرونها، كما يشهد على غياب التفاعل بين الجمهور وما يقدم من موضوعات وإبداعات. هذه إطلالة سريعة على بعض هموم الثقافة في بلدنا، بمناسبة تنظيم الجمعية العمومية العادية لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات اجتماعها السنوي، وما شهده الاجتماع من مناقشات وما تمخض عنه من نتائج، في ظل الوضع المزري للاتحاد، والخلافات الحادة بين أعضائه، والتي دفعت البعض لمقاطعة أنشطته كلها، شعوراً منهم بلا جدوائية التعاطي معه، مما يعزز غياب فاعلية هذه المؤسسة، ويفرض التمعن فيما وصلت إليه. هذا الموضوع يستثير كثيراً من الأسئلة حول طبيعة الأنشطة التي تقدمها مؤسساتنا الثقافية، وما ينبغي عليها تقديمه، إذ ثمة حاجة للبحث عن النشاط الثقافي النوعي الذي يقبل عليه الجمهور، فليس كل نشاط ثقافي مقبولاً لدى الغالبية، ولكي نطالب هذه الغالبية بالتواصل والحضور والتفاعل، لابد من اختيار الأنشطة التي تناسبها وتجذبها، لذلك فاللوم هنا يقع على المؤسسات واختياراتها غير الملائمة، بدليل أن هناك أنشطة تجذب المئات وأحياناً الآلاف لمتابعتها وحضورها. ولو قمنا بمقارنة سريعة بين مشاهدي البرنامج التلفزيوني "شاعر المليون" -مثلاً- وبين مشاهدي أي من البرامج الثقافية في فضائياتنا العربية، لوجدنا الفارق مذهلاً لمصلحة "شاعر المليون". وهذا أمر معروف ومفهوم كحالة قائمة في الوضع الثقافي العربي عموماً، حيث تعاني الثقافة الجادة من حصار جائر. وفي حين عرف الشعر النبطي كيف يقترب من هموم الناس، واستطاع مبدعو هذا الشعر معالجة هذه الهموم بلغة مقبولة للجميع، لغة تلائم وعي الناس وتراعي مداركهم، فإن غالبية مثقفينا ومبدعينا يبتعدون عن الجماهير وقضاياها في إبداعاتهم، وحتى في حياتهم اليومية، لذلك تجد الناس يبتعدون عنهم وعن إبداعاتهم، مما أوجد فجوة (بل جفوة) بين المبدع والجمهور. القضية متشعبة وتتطلب مناقشتها أسئلة عدة، وأولها حول طبيعة العلاقة بين المبدع والمؤسسات الثقافية من جهة، وبين المبدع والجمهور من جهة ثانية، فقد خاض كثير من المفكرين والمبدعين، منذ عقود عدة، في نقاشات حامية حول هاتين العلاقتين، وانقسموا إلى من يقول بنظرية "الفن للفن" ومن يرى أن الفن يجب أن يتجه إلى الجماهير وقضاياها. سؤال آخر يمكن أن نطرحه بين يدي الحوار، ويتعلق بدور المؤسسات الثقافية ومسؤوليتها تجاه الأجيال الصاعدة والمواهب الواعدة. فالبدء بالجيل الشاب هو وسيلة مهمة لتثقيف المجتمع وتفعيل مشاركته في الحياة الثقافية، كما أن الكشف عن المواهب الشابة، ومساعدتها على تطوير تجاربها وتنمية مهاراتها، أمر ضروري لترقية حياة المجتمع في كافة الجوانب، لأن التنمية الثقافية ضرورة كسائر أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن هنا، يبدو أن أوجه التنمية مترابطة بالضرورة، ولا يمكن للتنمية الثقافية أن تتم دون تحقيق تقدم في باقي جوانب التنمية الأخرى، كما أن تلك الجوانب لا يمكن أن تنجح من دون التنمية الثقافية، فالثقافة حاضنة أساسية للوعي الذي تنهض عليه شؤون الفرد والمجتمع، وبقدر ما يعتني المجتمع بالثقافة الجادة فسيحقق التقدم، بينما غياب الاهتمام بها يدل على تخلف المجتمع وتراجعه. ولهذا نتساءل عن أسباب تراجع الأوضاع الثقافية في بلدنا وباقي العالم العربي، بينما تتوفر اليوم، أكثر من أي يوم مضى، وسائل المعرفة والتثقيف لمن أراد، وبأسرع وقت يستطيع كل منا الوصول إلى كم هائل من المعلومات والدراسات المتوفرة في الإنترنت، والتي تظل وسيلة ضرورية لتوصيل محتوياتها لكل من يحتاج إليها ويطلبها. د. موزة غباش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي- دبي