في السابع من أبريل الجاري، تمكنتُ أخيراً، في ختام زيارة لي إلى إسرائيل دامت سبعة أيام، من الحصول على حوار سعيت وراءه منذ نحو العام؛ حيث جلست في أحد مكاتب السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله مع أحد زعماء "حماس"، المنظمة المتطرفة التي فازت في انتخابات العام الماضي. فتحدث إليّ هذا الزعيم حول حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، واستنكر ما يقوم به الانتحاريون. غير أن المسؤولين الأميركيين في واشنطن لا يرغبون على ما يبدو في الإصغاء إلى دعوة "حماس" إلى السلام. الأمر لا يتعلق هنا بشخصية هامشية، بل بـ"ناصر الشاعر"، وزير التعليم ونائب رئيس الوزراء في حكومة الائتلاف الفلسطينية الجديدة. وقد أشار "الشاعر" إلى أن النظام الفلسطيني يعترف بحق إسرائيل في الوجود وينبذ العنف– وهما شرطان من أجل التفاوض حول دولة فلسطينية مستقلة مجاورة لإسرائيل- حتى وإن كانت "حماس" لا تعترف بذلك. وعندما عدت إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حاولت الحصول على رد فعل مسؤولي إدارة بوش (الذين يرفضون ربط أي اتصال مع "حماس"). فطلبت مقابلة "إليوت أبرامز"، نائب مستشار الأمن القومي، الذي يعد من أكبر المؤثرين على السياسة الأميركية إزاء إسرائيل. وقد كان "أبرامز" زميلاً لي زمن الحرب الباردة وصديقاً، غير أن أحد مساعديه أخبرني يوم الخميس أنه ليس مستعداً للتحدث معي بشأن "حماس". ثم حاولت الاتصال بوزارة الخارجية لمعرفة رأيها، إلا أن مسؤولاً رفيعاً هناك لم يُبدِ أي اهتمام بما قاله "الشاعر". الحقيقة أن سياسة الولايات المتحدة لا تقوم على التمسك بالمقاطعة الاقتصادية التي دمَّرت السلطة الفلسطينية منذ فوز "حماس" في الانتخابات في يناير 2006 فقط. ذلك أن المسؤولين الحكوميين والعمال الأميركيين الذين لديهم عقود في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل مطالَبون بالمغادرة عندما يدخل أحد من "حماس" الغرفة. ولأن وزارة الخارجية الأميركية تصنف"حماس" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فإن الأميركيين غير الموظفين لدى الحكومة يخشون أن يكون الاتصال بعضوٍ محسوب على "حماس" من الحكومة الفلسطينية انتهاكا لـ"قانون المواطن" الأميركي. ونتيجة لذلك، فقد رفضت المصادر التي يسَّرت لي أمر الاتصال بفلسطينيين آخرين أن تساعدني، قبل عام من اليوم، من أجل الالتقاء بمسؤولين من "حماس". عدت إلى القدس في الثالث من أبريل الجاري، أي بعد أسبوعين على انضمام حركة "فتح" المعارِضة، التي تعد أكثر اعتدالاً، إلى "حماس" في إطار حكومة الوحدة الوطنية الجديدة. وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" قد نشرت للتو مقال رأي لوزير المالية في الحكومة الجديدة، "سلام فياض"، وهو من المستقلين، وقد عاش في العاصمة واشنطن عشرين عاماً حيث عمل مسؤولاً في البنك الدولي ويحظى بالتقدير والاحترام في الغرب. في هذا المقال، كتب "فياض" يقول إن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل في 1993 وتخليها عن العنف إنما يمثل "اتفاقاً ملزِماً وواضحاً ... ليست لأي حكومة فلسطينية سلطة أو صلاحية إلغائه"، مضيفاً أن برنامج حكومة الوحدة الوطنية يتعهد "صراحة" باحترام جميع التزامات منظمة التحرير الفلسطينية. وحول مائدة العشاء في أحد مطاعم رام الله في الرابع من أبريل، أخبرني "فياض" أنه عرض مقاله في الوقت نفسه على صحف أميركية كبيرة أخرى من أجل توضيح هذه المسألة بسرعة. ولكن هل يقبل زملاؤه من "حماس" بهذا الطرح؟ "فياض" أخبرني أنه ليس الوحيد في هذا الرأي. وقبيل انتهاء زيارتي، أتاحت لي السلطة الفلسطينية فرصة الاتصال بـ"الشاعر". وكان "الشاعر" قد اعتُقل على إثر غارة إسرائيلية على منزله في رام الله لفترة شهر من دون توجيه تهم إليه أو تقديم أدلة على إدانته، في التاسع عشر من أغسطس الماضي، عندما كان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة "حماس" الأولى. في مكان اجتماعنا بمكتبه في مقر الوزارة بعد بضعة أيام، بدا "الشاعر"، الحاصل على شهادة دكتوراه من جامعة مانشستر الإنجليزية، مختلفاً تماماً عن الرجل الذي يظهر في الصورة التي التُقطت له حينما تم إطلاق سراحه في سبتمبر الماضي، حيث كان مرتدياً بذلة أنيقة تواكب الموضة؛ غير أن الأهم من مظهره ربما هو ما قاله لي. فعندما سألته حول ما إن كانت "حماس" توافق على ما أخبرني به "فياض"، قال لي الشاعر إن ذلك لا يهم، مضيفاً "إننا نتحدث عن الحكومة، وليس المجموعات". وقال إن "حماس" ليست هي السياسة الفلسطينية، تماما مثلما أن آراء ومواقف عضو الحكومة المتطرف المناوئ للفلسطينيين "أفيجدور ليبرمان" ليست هي السياسة الإسرائيلية. كما عبَّر لي "الشاعر"، وعلى نحو غير متوقع، عن استيائه من "أن المحاولات السابقة لتحقيق السلام فشلت بسبب الانتحاريين"، مضيفاً "نحن اليوم نتطلع إلى سلام دائم". وإذا كان "الشاعر" قد تحاشى مهاجمة إسرائيل وانتقادها، فإنه قال:"لا أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية ترغب في حل الدولتين. وبدون ضغط من رئيس الولايات المتحدة، فلن يحدث أي شيء". يبدو ذلك نداء لجورج بوش من أجل المساعدة. ولكن هل سيصغي بوش إلى هذا النداء إذا كان "إليوت أبرامز" لا يصغي؟ روبرت دي. نوفاك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"