تتعرّض البنوك في دول الاتحاد الأوروبي لنحو 90 محاولة سرقة في الدقيقة، بحسب إحصاءات صادرة عن الاتحاد البنكي الأوروبي، العام الماضي. ويقول تقرير الاتحاد إن هناك تزايداً مستمراً في استعمال العنف، كاختطاف موظفي البنوك، بينما تقول "جمعية البنوك الأوروبية" إن العصابات المنظمة التي تستعمل كل ما يتاح لها من وسائل وتعمل عبر الحدود تقف وراء هذه الجرائم، وتؤكد أن هذه العصابات ستحاول تعزيز وسائلها لمواجهة التعزيزات الأمنية المتزايدة للبنوك. التجارب والأحداث في العالم أجمع تثبت أن أي تطوّر في أساليب مكافحة الجريمة لا بدّ أن يقابله بالضرورة تطوّر تقني مماثل لدى المجرمين وأدوات الجريمة نفسها، بل في أحيان كثيرة يسبق المجرمون الأجهزة الأمنية في التفكير والتخطيط والدهاء الإجرامي، فالمسألة تتمحور حول صراع أبدي بين الخير والشر، وهناك حالات كثيرة استفادت منها أجهزة الأمن من خلال استيعاب دروس الجرائم بعد وقوعها. هذا الحديث يدور على خلفية سرقة محل مجوهرات في أحد المراكز التجارية بمدينة دبي، إذ إن ردود الفعل تعكس قلقاً واضحاً إزاء الجريمة، ولكن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن أجهزة الأمن في الدولة تبذل جهوداً واضحة وملموسة في تكريس أجواء الأمن والأمان التي ينعم بها الجميع، وأن الحادث لا يقلل مطلقاً من شأن الجهود الأمنية، ليس فقط في ضوء تنامي معدلات الجريمة عالمياً وعدم وجود مجتمع خالٍ تماماً من الجريمة، ولكن أيضاً لأن معدلات الجريمة في الدولة لم تزل هي الأدنى مقارنة بغيرها. ذلك كله لا يعني بالضرورة مرور جريمة سرقة الماس من دون وقفة أمنية ومجتمعية شاملة لاستيعاب الدروس واستخلاص العبر والحيلولة دون تكرار ما حدث، فنحن بحاجة إلى اكتشاف مكامن الخطر ومصادر التهديد الخفية والمعلنة والمحتملة، وبحاجة أيضاً إلى رؤية شاملة ومتكاملة لمصادر التهديد الأمني، بحيث ترتكز هذه الرؤية على تجفيف المنابع وانتهاج استراتيجية وقائية تعتمد على التفاصيل الصغيرة وتغوص في تحليل العلاقات القائمة بين ملفات مثل قواعد منح التأشيرات السياحية على سبيل المثال ومعدلات الجريمة في الدولة لتعديل الإجراءات وتحقيق مزيد من الحصانة الأمنية للمجتمع. هناك أيضاً حاجة إلى دراسة الإجراءات الأمنية في المراكز التجارية وفتح ملف شركات الأمن الخاصة والمعايير المطبّقة في عملها تأكيداً على دورها كشريك حقيقي للأجهزة الأمنية لا مجرد "ديكور". ندرك أن أجهزتنا الأمنية على وعي تام بأبعاد هذه الجريمة ودلالاتها، ولكن علينا الاعتراف بأن هذه الجريمة هي أحد الإفرازات السلبية للتقدّم التنموي الحاصل في الدولة، ولا نريد أن نقول إنها ضريبة للنجاح، إذ إننا لسنا في موقع القبول بواقع هذه الضريبة والخضوع لمنطقه، ولكن المكانة العالمية التي يتبوأها الاقتصاد الوطني، والتطوّر المتسارع في مختلف قطاعات الحياة يبدو كفيلاً بجذب أنظار المستثمرين ورجال المال والأعمال وأيضاً المغامرين واللصوص وعصابات المافيا التي تبحث عن "فرص" في مناطق الازدهار الاقتصادي كي تمارس نشاطها. فالخصوصية الاقتصادية التي تتمتّع بها مدن مثل أبوظبي ودبي تتطلّب جهوداً هائلة للوقاية من أي جريمة مهما كانت صغيرة، حفاظاً على أجواء الهدوء والاستقرار التي تحتاجها الاستثمارات، ولكن وقوع جريمة مثل سرقة ماس بقيمة 56 مليون درهم مسألة محتملة ولو بنسبة ضئيلة وينبغي استيعاب دروسها جيداً خصوصاً ما يتعلق بالثغرات التي استغلها المجرمون في تنفيذ جريمتهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية