ليس كل ما يريد الساسة يسير وفق رغباتهم, فهم بطبعهم يرون المتغيرات بعين تختلف عن رجل الدين, ومن ثم تحدث المواجهة بين الدين والسياسة. ولكي لا يساء فهمنا, نقول بأن مبادرة السلام العربية هي واقعية, فهذا ما يملكه العرب وهذا ما تفرضه الظروف الدولية وإن كانت المعادلة غير متكافئة, فالعرب يعيشون الضعف, وهو ضعف ثقافي ونفسي, وضعف في تشتت الرؤى؛ فالمصلحة الواحدة لا توحدهم فما زالوا يعيشون حياة القبيلة بمعانيها الاجتماعية, والقبيلة تحكمها ظروفها وطبيعتها, واندماجها يتطلب عقولاً قادرةً على تقديم تنازلات تتعارض مع مقوماتها وبالتالي الدولة الحديثة تدار بعقل القبيلة ومن ثم يحدث التناحر المعتاد مما يضعف قوة الدولة. الطرف الآخر، ونقصد به الغرب، يدار بعقل المؤسسة وترابط المصالح مما يقوي من موقفه على طاولة التفاوض. كان يجدر بالعرب أن يهيئوا الشارع والرأي العام لمفهوم السلام مع إسرائيل باعتبارها حقيقة واقعة ولا تخضع لفهم رجل الدين بقدر ما تخضع لظروف دولية ومتغيرات عالمية مختلفة، ومن ثم التحرك وفق رؤية واضحة يتداخل فيها الإعلام والمسجد والتعليم. لم يقرر العرب بعد حل العلاقة بين الدين والسياسة, فالدين وظف لخدمة السياسة وأتى بنجاح في الحرب مع الاتحاد السوفييتي أو "الخطر الأحمر" ووظف لرسم ودعم سياسات رسمية تدعم الدولة الأحادية التي تشكك في البناء المؤسسي وتخاف المشاركة في صنع القرار ومن ثم الدين يؤدي مصالح للمؤسسة السياسية يصعب الاستغناء عنها. والسؤال هل يملك الساسة مقدرة دائمة على تسخير الدين للسياسة؟ الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما عقد العزم على إقامة سلام مع إسرائيل، لم يكن قراره مؤسسياً بقدر ما كان قرار الساسة الذي لا يعكس توجهات الرأي العام, فلجأ إلى الدين لتبرير خطوته ونجح لفترة وقتل بفعل الدين. فالدين هنا أدى دوره بالنسبة له وأدى دوره الثاني في اغتياله, بمعنى أنه يصعب على الساسة السيطرة على الدين بشكل مطلق, و كيفما شاءوا، وربما المثال الحي هو المتجسد في الحرب على الشيوعية ومن ثم تحول الدين كسلاح في الحرب على حلفاء الأمس. نحن نذهب إلى المسجد يومياً ونخضع لتعبئة نفسية ضد من نريد أن نقيم السلام معهم, فكيف يتمكن الساسة من إقامة السلام مع الخصم التاريخي الذي يحظى بتراث تاريخي من الكراهية؟ لا نريد أن نتحول إلى أبواق غربية ونقول ما يقولونه حول تراثنا المعادي لهم، ولكنها الحقيقة التي علينا مواجهتها والعمل وفق رؤية مستقبلية لفك العلاقة بين الدين والسياسة، ونعي بأن الدين يحظى بقوة فاعلة في تحريك دوافع الإنسان ويدفعه لارتكاب سلوك قد يتنافى مع الواقع السياسي الذي نريد له أن ينجح. لا نريد أن نستغني عن تراثنا ولكن أليس لنا من وسيلة في تعقيل التراث وتنقيته من الشوائب. بكل تأكيد يمكن أن نحقق ذلك إذا ما امتلكنا رؤية لبناء الدولة التي يعد الإنسان مكوناً أساسياً فيها, الإنسان الذي تُحتَرم رؤيته ويشعر بأنه فاعل في صنع القرارات المصيرية, الإنسان الذي يشعر بقوة القانون الذي يحكم العلاقة بينه وبين المؤسسة السياسية. على الساسة العرب الانتباه إلى خطورة اللعب بالدين أو توظيفه سياسياً, فالدين قوة روحانية لا يمكن إخضاعها لمصالح سياسية في كل الأزمان والأوقات. ولعلي بمبادرة السلام العربية تتحرك وفق رؤية واقعية وتتلمس المخاطر القادمة، خصوصاً أننا نعيش حقبة الحرب على الإرهاب.