في المواجهة الدائرة حالياً بين البيت الأبيض و"الديمقراطيين" في الكونجرس حول مسألة تمويل الحرب في العراق، يبدو أن كل شيء في طريقه إلى الهدوء، ما عدا الصخب الذي مازال قائماً حولهاً. فقد أقرت شخصيات "ديمقراطية" بارزة مثل "كارل ليفين" رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، بأن الرئيس بوش سيحصل في النهاية على مبلغ مائة مليار دولار، أو أكثر قليلاً لتمويل حربي العراق وأفغانستان خلال السنة الجارية. ومع ذلك مازالت فصول المواجهة المسرحية بين البيت الأبيض والكونجرس جارية على أشدها. فعلى سبيل المثال سيناقش الكونجرس بمجلسيه اللذين يسيطر عليهما "الديمقراطيون" مشروع قرار أخير بشأن تمويل الحرب في العراق، يقضي بتحديد جدول زمني لسحب القوات الأميركية من بلاد الرافدين. كما سيلتقي "الديمقراطيون" يوم الأربعاء القادم مع الرئيس بوش في البيت الأبيض، حيث من المتوقع أن يختلفا على مسألة جدولة الانسحاب مرة أخرى. وهكذا سيستخدم بوش حق "الفيتو" لمعارضة المشروع ليُرد مجدداً إلى الكونجرس الذي لا يملك النصاب الكافي لإلغاء رفض الرئيس لتتم المصادقة على طلب الرئيس بتمويل الحرب دون تحديد أي موعد لسحب القوات. وبالطبع لن يروق الأمر لـ"الديمقراطيين المتشددين" داخل الحزب، لكنه سيتجنب خطر الظهور وكأنه يعارض تمويل الجيش الأميركي في أرض المعركة. ويدرك "الديمقراطيون" أيضاً أن الرأي العام يؤيد موقفهم الداعي إلى جدولة الانسحاب، لذا فحتى لو لم يستطيعوا التأثير على البيت الأبيض في قضية التمويل، فإن المناخ العام في أميركا يصب لصالحهم. هذا الطرح يعضده "جاك بيتني"، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "كليرماونت" بكاليفورنيا قائلاً "سيكون العديد من الأميركيين سعداء لو تم تحديد موعد لرجوع القوات إلى أرض الوطن". وتذكرنا المواجهة الحالية بين الكونجرس والبيت الأبيض بالصراع الذي دار بين الاثنين ودام 21 يوماً عام 1995 خلال فترة الرئيس "بيل كلينتون" ووصل إلى طريق مسدود حول موضوع الموازنة. فقد شعر "الجمهوريون" الذين سيطروا على الكونجرس عام 1994 بالقوة، ما دفعهم إلى الدخول في مواجهة مفتوحة مع الرئيس كلينتون الذي رفض الإذعان لينتهي الأمر باستياء الرأي العام من "الجمهوريين" الذين عطلوا عمل الأجهزة الحكومية وعرقلوا سيرها العادي وتقديم الخدمات للجمهور. لكن هذه المرة يبدو أن "الديمقراطيين" من يستشعرون القوة بعد عودتهم المظفرة إلى الكونجرس لمواجهة البيت الأبيض، مستغلين نسبة التأييد المتدنية التي يحظى بها الرئيس بوش. ومع ذلك يحدق بهم خطر المبالغة في توظيف قوتهم كما حدث مع رئيس الكونجرس "نيوت جينجريتش" في 1995. واليوم يسعى الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني إلى إبراز الأضرار التي سيتكبدها الجنود الأميركيون بالاستمرار في تأخير الكونجرس المصادقة على قانون التمويل الطارئ الذي تقدم به الرئيس بوش منذ عدة أسابيع. وفي هذا الإطار صرح الرئيس بوش في خطابه الإذاعي الأسبوعي محيلاً إلى اجتماعه المرتقب يوم الأربعاء المقبل مع الكونجرس قائلاً: "إني أتطلع إلى الاستماع إلى أعضاء الكونجرس ومعرفة كيف سيتحملون مسؤولياتهم وتوفير التمويل الضروري لقواتنا في العراق". ورغم الامتناع المبدئي الذي أبداه "الديمقراطيون" للقاء بالرئيس بوش في البيت الأبيض، معتبرين أن بوش لم يعدم عنده ما يقدمه لهم، إلا أن الزيارة الأخيرة التي قامت بها "نانسي بيلوسي" إلى سوريا ولقاءها مع الرئيس بشار الأسد جعلت "الديمقراطيين" يدركون أن الإصرار على امتناعهم الاجتماع مع بوش سيكون خطأ كبيراً في العلاقات العامة. غير أن الحجة التي ساقها الرئيس بوش من أن تأخير إيصال التمويل الضروري للقوات الأميركية سيلحق بها ضرراً بالغاً، لأنه سيضطر إلى تمديد فترة خدمتها سرعان ما تهاوت بعد تصريحات وزير الدفاع "روبرت جيتس" الذي أعلن فيها تمديد فترة خدمة الجنود إلى 15 شهراً إضافية باعتبارها خطوة لا بد منها لدعم الزيادة الحالية في عديد القوات الأميركية في العراق. ويبدو أن المواجهة الحالية التي تنصب حصراً على موضوع الموازنة قد غطت على باقي القضايا الأخرى، وبخاصة قضية الهجرة التي أسالت الكثير من المداد في الفترة الأخيرة فقط لتتوارى خلف الحرب في العراق. واللافت أنه عندما اقترح الرئيس بوش أثناء سيطرة "الجمهوريين" على الكونجرس القيام بإصلاح شامل للهجرة كان أول من سانده ودعم محاولاته "الديمقراطيون". ليندا فيلدمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محررة الشؤون الخارجية في"كريستيان ساينس مونيتور" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"