صممت الولايات المتحدة مؤخراً ما يعرف بـ"برنامج العمال- الضيوف" الموسع، في إطار جهودها لإصلاح نظام الهجرة إليها. ورغم أن هذا البرنامج سيضمن تدفقاً مستمراً للعمالة الرخيصة التي تعمل بموجب عقود مؤقتة، فالمشكلة أن تلك العمالة، وبموجب ذلك البرنامج، ستكون معرضة بشكل دائم لخطر الإبعاد في أي وقت، ما يعني عملياً حرمانها من الاحتجاج على الأجور المتدنية والمزايا الوهمية التي وعدت بها ولم تتحقق، وكذلك على ظروف العمل غير الآمنة. وسيخلق ذلك النظام طبقة من العمال المحرومين من كافة الامتيازات المادية والمعنوية، وهو ما يثير القلق بشأنه، خصوصاً إذا ما عرفنا أن ثمة تجارب سيئة قامت على تقديم حلول ساذجة وسطحية لمشكلات معقدة. ولعلنا لا ننسى هنا تجربة العمال الموسميين المكسيكيين الذين كانوا يأتون إلى الولايات المتحدة للعمل في المزارع خلال موسم الحصاد، أو للعمل في مد خطوط السكك الحديدية، في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهي تجربة أقل ما يقال عنها أنها كانت تجربة استعباد لأولئك العمال. ويبدو أننا لا نتعلم من التجارب، إذ توجد لدينا اليوم أيضاً برامج لمنح التأشيرات مثل "إتش-2 آيه" و"إتش-2 بي"، وهي برامج لو أمعنا النظر في تفاصيلها ومعناها لأدركنا أنها تقوم على أساس مغلوط شأنها في ذلك شأن كافة برامج العمالة المؤقتة. فوفقا للبرنامجين المذكورين يتم جلب العمال الموسميين للخدمة في المزارع، ولجمع المحاصيل، والعمل في مجال الإنشاءات المعمارية، وصناعة المأكولات البحرية، وغيرها من الصناعات التي تتطلب وظائف ذات طبيعة مؤقتة. وما يحدث في العادة أن هؤلاء العمال يضطرون إلى تدبير مبالغ باهظة لدفعها لمكاتب وشركات التوظيف في بلادهم والتي تقوم بتسفيرهم إلى الولايات المتحدة لتغطية نفقات السفر والرسوم والرشاوى التي يتم دفعها للقائمين على تلك المكاتب والشركات. بمعنى أن هؤلاء العمال يصبحون مدانين، قبل أن يصلوا إلى أميركا، أما بعد الوصول إليها فيصبحون تحت رحمة أصحاب الأعمال الذين يمكن أن يعيدوهم إلى أوطانهم إذا ما أبدوا أي تذمر أو شكوى. ووفقاً لدراسة حديثة نشرها "المركز القانوني لشؤون فقراء الجنوب"، فإن العامل الجواتيمالي قد يضطر إلى دفع 2500 دولار، للحصول على وظيفة موسمية في الولايات المتحدة الأميركية، وهو مبلغ يعادل دخل عام كامل من العمل في جواتيمالا. وهذا العامل يجد نفسه مضطراً إلى التغاضي عن مشقة العمل أو ساعاته الطويلة، وعدم توافر أي مزايا، حتى يتمكن من سداد الدين الذي اقترضه، ثم توفير مبلغ يكفي لتجنيب أطفاله قسوة الجوع. من الناحية الفنية، تتضمن مثل تلك البرامج ضمانات حماية قانونية، بيد أن المشكلة هي أن تلك الضمانات تظل على الورق حيث يرفض المحامون الترافع عن العمال المهاجرين، كما أن هؤلاء العمال - وخصوصاً الأكثر فقراً منهم والأقل تعليماً وإجادةً للغة الإنجليزية والأقل إدراكاً لحقوقهم- لا يجدون مفراً من مواصلة العمل دون أن يجرؤوا على رفع صوتهم بالشكوى، وهو ما يؤدي إلى تدمير كافة معايير التوظيف والعمل في أميركا بأسرها. بيد أن هذا لا يعني أنه ليس ثمة حل لأزمة الهجرة، أو أنه ليست ثمة طريقة جيدة للتعامل مع من يريدون القدوم للولايات المتحدة من أجل العمل. ويذكر في هذا السياق أن لجنة إصلاح نظام الهجرة، قد أكدت عام 1997 صحة معتقدنا وهو أن "إيجاد نظام سليم لإصدار أذونات الإقامة الدائمة، أمر يخدم المصلحة القومية للولايات المتحدة". في ذلك الوقت أعربت اللجنة عن اعتقادها بأن اعتماد نظام جديد للهجرة المؤقتة "سيعتبر خطأً جسيماً" وكان قصدها من ذلك هو التأكيد على أن أي إذن بدخول الولايات المتحدة من أجل العمل، يجب أن يكون متبوعاً بإجراءات ينتج عنها في النهاية، منح الإقامة الدائمة للعامل أو منحه الجنسية الأميركية. لا خلاف على أن من حق أي صاحب عمل أميركي أن يتقدم بطلب إحضار عمال من الخارج إذا لم يعثر على حاجته منهم من بين الأميركيين.. بيد أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنه من حق صاحب العمل أن يجلب العمال من الخارج بموجب شروط مجحفة تترتب عليها آثار سلبية على الأجور وعلى شروط عمل العمال في البلاد، سواء المهاجرون منهم أو المواطنون. ولا خلاف أيضاً على أننا يجب أن نضع حداً أعلى لعدد تأشيرات الدخول لأغراض العمل التي تصدر سنوياً من أميركا، لكن الأمر الذي نختلف عليه هو أن يتم وضع هذا الحد بناء على تسويات سياسية أو مناورات جماعات الضغط الصناعية، وإنما يجب أن يتم تعيين هذا الحد الأعلى بموجب وزارة العمل، وبناء على المؤشرات الاقتصادية التي تحدد حاجة العمل في كل صناعة من الصناعات. كما لا يجب أن يسمح بتجنيد العمال من الخارج لأن هذه الممارسة تساعد على تفشى الرشاوى، وعلى فرض رسوم باهظة على العمال بل يفضل أن يتم اختيار العمال من بين المتقدمين بطلبات الهجرة والعمل في أميركا والتي يقوم العمال بتعبئتها في أوطانهم، على أن يتمتعوا عند قدومهم إلى الولايات المتحدة والتحاقهم بالأعمال التي جاؤوا للعمل فيها، بكافة الضمانات ووسائل الحماية التي يتمتع بها العمال الأميركيون. لقد تحدث العلماء كثيراً عن أن عبقرية نظام الهجرة الأميركي عبر التاريخ، كانت تنبع من قدرته على استيعاب المهاجرين في لُحمة المجتمع الأميركي، وهذا في رأيي هو الأساس الذي يجب أن تنبني عليه أي سياسة سليمة اقتصادياً للهجرة وهو في الوقت نفسه الأساس الذي يجب أن نعمل جميعاً من أجله. جون سويني ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس الاتحاد العام لعمال أميركا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بابلو ألفريدو ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس الشبكة التنظيمية لعمال أميركا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"