رئيس البنك الدولي بجلالة قدره، على رأي إخواننا المصريين, يطأطئ الرأس خجلاً ومعتذراً عما فعله من أجل الأيام الخوالي، لصديقته ذات الأصل الإيراني, حين تدخل لزيادة مرتبها ستين ألف دولار! وقامت قيامة اتحاد موظفي البنك على هذا الأسلوب غير العادل في العمل, ولم يفد معهم اعتذار ولا انتفع رئيس البنك الدولي المدعو وولفوفيتز بوساطة أقوى رئيس دولة في العالم الحديث، وأقصد به الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. ولا يزال مصيره معلقاً على ما يراه مجلس إدارة البنك الدولي. هذه القضية التي ليست بشيء يذكر في بلدان العالم الثالث عشر (لأن عصر العولمة حذف دول العالم الثالث إلى آخر الصف)، حيث النهب والهدر المنظم للمال العام من خلال "مؤسسة" الفساد الإداري والسياسي المتعاظم في هذه البلدان. والقضية المطروحة أمامنا تتصل بالعلاقة بين الشأن العام والشأن الخاص، وهو شأن تغيب أهميته لدى ساسة ومواطني دول العالم المتخلف في كل شيء. وللتوضيح نضرب المثال التالي: ففي حين ينحصر مفهوم الشرف في الشرق بما له علاقة بالأنثى، نجد الغرب لا يهتم بالشرف من الناحية الجنسية, قدر اهتمامه بشرف الكلمة والموقف الإنساني والأخلاقي. فالمواعيد في أوقاتها ليست مهمة لدينا، والدقة والنظام وتطبيق اللوائح بشكل عادل ليست من الشرف في شيء بالنسبة للمفاهيم الشرقية، كما هو الحال في الغرب. وأما بالنسبة للواسطة في التعيين والعلاج في الخارج بل وحتى وضع الدرجات في المدارس والجامعات فيتغلب لدينا جانب الطائفة والعائلة والقبيلة على جانب العدل والنظام، رغم كل تفاهات الحديث عن دولة القانون. لذلك يعد الحديث عن دولة القانون نوعاً من اللغو، أو هو اللغو بحد ذاته, نضحك عليه في سرنا, وأحياناً كثيرة في الجهر, وبلا حياء ولا خوف. قضية رئيس البنك الدولي قضية تتصل بالأخلاق والنظام في العمل، وهو جانب لا يتهاون فيه الغربيون، وهو سر انتصارهم على الآخرين في كل شيء, وهي قضية لا محل لها من الإعراب في عالمنا العربي، حيث المحاباة وتخطي حقوق الآخرين. وبرغم أن المذهب الليبرالي يقوم على الفردية في أصوله الفكرية, إلا أننا كعرب تقوم حياتنا على الحياة الجمعية بتمجيد الذات الأنانية, وفقاً لشعار "إذا متُّ ظمآنا فلا نزل القطْر", كما يقول الشاعر العربي. قضية الأخلاق العامة من القضايا المسكوت عنها في عالمنا العربي وبتواطؤ من الجميع، بغض النظر عن مستوى المكانة الاجتماعية أو العلمية. وهي أحد الأسباب المهمة في تدهور أخلاقيات العمل وضعف الإنتاج الوظيفي, حيث نتشدق بشعار "الرجل المناسب في المكان المناسب", لكننا في حقيقة الأمر نكذب جهاراً نهاراً وبلا خوف من القانون أو حياء من الناس. كلنا مشتركون في جريمة تضييع الأوطان وتخريب الإحساس بأهمية النظام والقانون لدى الشباب, وحيث الكل يضحك على الكل. وكثيراً ما يسألني طلابي: دكتور, هل تعتقد أنت تعيش في أميركا؟ هذي الكويت صل على النبي!!.. وأتركهم وأنا أعلم بأنهم مشفقون أكثر من كونهم مستهزئين. وليس الكويت فقط هي "صل على النبي", بل كل جزء من العالم العربي حيث لا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة للمؤمنين به وبرسالته.