"أخبار نووية سارة"، وعد بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الشعب الإيراني، وفي التاسع من أبريل وبمناسبة يوم الطاقة النووية في إيران وهي ذكرى نجاحها العام الماضي في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% (النسبة المطلوبة لإنتاج الوقود النووي)، أعلن الرئيس الخبر السعيد: "لي الشرف أن أعلن اليوم أن وطننا العزيز قد التحق بنادي الدول النووية"، وذلك أثناء زيارته لمفاعل "ناتانز"، وهي خطوة اعتبرت تصعيداً جديداً في الملف النووي الإيراني. وبغض النظر عن مدى صحة ما صرح به الرئيس الإيراني بالنسبة لدخول بلاده النادي النووي، خاصة وأن الخارجية الروسية في بيان خاص سارعت بالتشكيك في مصداقية إعلان طهران قائلة: "لا علم لنا بتحقيق اختراق تكنولوجي في البرنامج النووي الإيراني في الآونة الأخيرة من شأنه أن يغير طبيعة الأعمال الجارية في هذا البلد في مجال التخصيب"، فإن ما يلفت الانتباه هو الاستخفاف الإيراني الواضح بردود الأفعال الدولية و بالعقوبات الدولية التي فرضت على البلاد مؤخراً بسبب برنامجها النووي، في الوقت الذي تستمر فيه طهران في الإصرار على الطابع السلمي لمنشآتها. وفي تأجيج للروح القومية تعهد الرئيس الإيراني بألا تنحني بلاده أمام الضغوط الخارجية لوقف برنامجها النووي. وقال: "إيران سارت حتى الآن في طريق سلمي تماماً وتريد مواصلة السير في هذا الطريق.. عليهم أن يتجنبوا عمل أي شيء يضطر هذه الأمة لمراجعة سلوكها". وهددت إيران بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي. خرق لقرارات دولية، تحدٍّ صريح للمجتمع الدولي، تصعيد ولهجة عدوانية تستمد قوتها من تأجيج للروح الوطنية ومداعبة لمشاعر الشعب الإيراني وبعض الشعوب القانطة من السياسات الأميركية. صوت عالٍ إيرانياً مقابل أصوات منادية بحرب استباقية. غطرسة القوة الإيرانية ستقابل باحتمال توجيه ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية "قبل نهاية العام الحالي" كما صرح مصدر مسؤول فرنسي. فهل يستدعي الرئيس الإيراني ضربة عسكرية "مشروعة" لبلاده، وهل يخطئ الرئيس الإيراني في حساباته استناداً إلى المصاعب الأميركية في العراق، وتضارب الإشارات القادمة من واشنطن حول التعاطي مع إيران؟ والسؤال الأدعى للطرح، لماذا تستمر إيران في نهج التحدي، وهل القيادة الإيرانية قيادة عقلانية لتوجيه السياسيات الإيرانية خدمة لمصالح الدولة العليا؟ يرتبط بالملف النووي الإيراني، الملف العراقي، فالولايات المتحدة تبدو اليوم أكثر حدة في تعاطيها مع التدخل الإيراني في العراق. فالجيش الأميركي اتهم وعلى لسان الجنرال وليم كولدويل الناطق العسكري الأميركي في العراق أجهزة الاستخبارات الإيرانية بتزويد المسلحين في العراق بالأسلحة، وبتدريبهم في معسكرات في إيران على استخدام العبوات الناسفة. وكشف في مؤتمر صحافي عن نماذج لأسلحة قال إنها إيرانية المنشأ، تشتمل على قذائف هاون وصواريخ "آر بي جي" حديثة الصنع قامت القوات الأميركية بمصادرتها من حي الجهاد ببغداد. في الوقت الذي لا تزال الحكومة الإيرانية تصعد من ضغوطاتها على الحكومة العراقية من أجل إطلاق سراح المعتقلين الإيرانيين الخمسة الذين ألقت القوات الأميركية القبض عليهم في مدينة أربيل منذ عدة شهور. ولاشك بأن الاتهامات الأميركية لإيران ليست بالجديدة ولا تخرج عن منطق الأمور، لكن التعاطي الإيراني مع الأحداث في العراق سيلقي بظلاله على خيار الحرب الاستباقية. يطرح الموقف الإيراني تعزيز خيار الحرب الاستباقية، ويعزز من جهود معسكر المتشددين في الإدارة الأميركية لاتخاذ خيار الحرب، وفي نفس الوقت يلقي بأعباء مضاعفة على دول الخليج للتعاطي مع التحدي الإيراني والتصعيد الأميركي. فهل من الممكن اعتبار التهديدات الأميركية بتبني الخيار العسكري للتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية خياراً جدياً حالياً؟ لقد جاءت خطة الطوارئ التي أعدتها وزارة الدفاع الأميركية، خلال النصف الثاني من عام 2002، تحت عنوان إعادة تقييم الوضع النووي لتحدث انقلاباً نووياً حقيقياً، فالخطة تستند بالكامل على إمكانية استخدام الأسلحة النووية فعلياً بهدف منع أي طرف من تهديد المصالح الأميركية في ظل أهداف وحالات وسيناريوهات محددة بدقة، وفي أوضاع تم تحديدها بالتالي: أ- استخدام الأسلحة النووية هجومياً ضد دول غير نووية. ب- استخدام الأسلحة النووية هجومياً لأهداف تتصل بحماية حليف، أو تدمير أهداف مستعصية، أو الرد على هجوم غير تقليدي. تعتمد الاستراتيجية الجديدة على أسلحة نووية صغيرة، وربما نظيفة، قابلة من الناحية الفنية للاستخدامات القتالية، قياساً على الأسلحة النووية المعيارية، مما قد يدفع لإمكانية الاستخدام النووي الفعلي بأسرع مما تتصور أطراف أي صراع محتمل. ومن الواضح أن التوجه السياسي في واشنطن يجعل من المواجهة مع إيران أكثر احتمالاً. لقد أعلنت إيران مباشرة في يوم الطاقة النووية في إيران أنها مستعدة لمواجهة أي عمل عسكري ضدها، ويبدو أن طهران ماضية في ممارسة لعبتها النووية. ومن الوقائع إلى الفرضيات، فلماذا يستميت الرئيس الإيراني في الدفاع عن برنامجه النووي "السلمي" وكلنا متأكد من أن البرامج النووية السلمية لا تستدعي صراخاً وتهديداً أو أخباراً نووية سعيدة أو حتى احتفالات نووية. تجارب الدول النووية السابقة في المنطقة من إسرائيل وحتى الهند وباكستان تعطي نماذج مغايرة تصب في انضمامها للنادي النووي بلا صراخ ولا صوت عالٍ. من الواضح من السلوك السياسي الإيراني الافتقاد للعقلانية في التعاطي مع الملف النووي، ومع الإقرار ببراعة تعاطي المفاوض الإيراني في لعبة التجاذبات ومعرفة القيادة الإيرانية أن العقوبات الاقتصادية ليس لهل تأثير فعلي على الاقتصاد الإيراني، فالقيادة الإيرانية حولت المسألة النووية لمسألة وطنية، فالكبرياء والعزة الوطنية كفيلة بامتصاص الضغوطات الاقتصادية. ولا يعتقد بأنها ستؤدي إلى إنهاء طموحات إيران النووية، وهي ماضية في تحدي المجتمع الدولي. إنه عهد غطرسة القوة الإيرانية، فلا سقف للطموحات النووية، ومع كل هذه الأخبار النووية السعيدة لا يبقى إلا أن نتساءل هل الخيار العسكري "خيار مؤجل" أم حتمي؟