شهد الأسبوع الماضي سلسلة من الأحداث المأساوية المؤسفة، على امتداد الشرق الأوسط كله، بل إن هذه الأحداث قد جاءت أصلاً على خلفية أحداث وأخبار سيئة، لا تزال تجري وتتواتر حتى الآن. فعلى إثر الكشف عن وجود خلية مغربية تابعة لتنظيم "القاعدة"، وما تبع ذلك من هجمات دموية قاتلة على القصر الحكومي في الجزائر، ثم الهجوم على البرلمان العراقي، فقد بدا واضحاً أن تنظيم أسامة بن لادن السرطاني، قد مد ذراعيه طويلاً وتمكن من استقطاب مجموعات تابعة له، على امتداد المنطقة بأسرها. غير أنه غدا من الواضح جداً في الوقت ذاته، أن الحرب في العراق تمضي من سيئ إلى أسوأ، وأنها تزيد من خطر هذه الجماعات من ناحيتين. الحرب نفسها، وما ارتبط بها من سلوك وتصرفات، تسهم جميعها في زيادة تأجيج نيران التطرف في المنطقة وتوسيع نطاق اشتعالها. وبالنتيجة فقد تحول العراق اليوم ليؤدي ذات الدور الذي كانت تؤديه أفغانستان في تدريب وإعداد المقاتلين الإرهابيين. وهذا هو ما أكدته التقارير الواردة من كل من المغرب والجزائر، حيث تبين أن المئات من هؤلاء قد ذهبوا إلى العراق حيث جرى تدريبهم وإعدادهم، قبل أن يعودوا إلى بلدانهم المغاربية، لشن هجماتهم الدموية عليها. وهذه وغيرها من الأخبار المتواترة عن العراق وأفغانستان ثم أخيراً دول المغرب العربي، قد أثارت تساؤلات وشكوكاً جدية حول مدى قدرة نهج إدارة بوش على مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب. ففي العراق، خرجت مظاهرة شعبية كبيرة، ربما شارك فيها مئات الآلاف من العراقيين بقيادة أتباع مقتدى الصدر، طالبت بوضع حد للوجود العسكري الأميركي هناك. وفي مشهد فريد من نوعه لوحدة العراقيين شيعة وسُنة على حد سواء، ارتفع هذا المطلب الوحدوي، على خلفية نداء وجهه مقتدى الصدر -فيما يعتقد- إلى كافة العراقيين بحقن دمائهم والكف عن خوض الحروب الطائفية فيما بينهم، وتوحيد صفوفهم جميعاً من أجل إنهاء الاحتلال الأميركي لبلادهم. وربما أسهم في هذه الوحدة العراقية عامل آخر، يعود إلى ما نشره موقع وزارة الدفاع الأميركية من أخبار تفيد عن حدوث ارتفاع في عدد قتلى التفجيرات والعمليات الانتحارية، عقب خطة زيادة عدد الجنود التي تبناها الرئيس بوش مؤخراً. وعلى رغم صحة انخفاض معدل العنف في العاصمة بغداد، فإن المناطق العراقية الأخرى، عمتها موجة العنف، نتيجة لانتشار المواجهات الطائفية فيها. غير أن هذا لا يعني أن بغداد قد أصبحت آمنة الآن، ودونكم ما حدث من تفجير انتحاري في كافتيريا البرلمان العراقي قبل بضعة أيام فحسب. أما إذا ما تحدثنا عن أفغانستان، فالأوضاع هناك ليست أحسن حالاً. فقد تصاعدت هجمات "طالبان"، وتزايد معها عدد قتلى جنود "الناتو" الذين يخوضون المواجهات ضدها. ووفقاً لتقرير أعده جنرال أميركي سابق، فقد تحول الجزء الغالب من أفغانستان، إلى محافظات يحكمها اللاقانون والمخدرات. وبالطبع فإن في واشنطن وغيرها من عواصم الدول الغربية، من يلقي بلائمة الانتكاسات الحادثة اليوم في تجربة التحول الديمقراطي الأفغانية، على إدارة بوش، متهمين إياها بعدم إكمال ما بدأته في أفغانستان، وخوض مغامرة جديدة لها في العراق، مما أدى إلى استنزاف مواردها وجهودها في العراق، بدلاً من كابول. ولذلك فليس مستغرباً أن يكرس اجتماع وزراء دفاع الدول الست الأعضاء في "الناتو"، الذي عقد يوم الخميس الماضي في كندا، جهوده كلها على تقديم المساعدات لأفغانستان، لاسيما في المناطق الريفية. ومن المؤسف أن يتوصل الخبراء العسكريون والمراقبون هناك، إلى أن استكمال المهمة الأفغانية سيتطلب عشر سنوات على أقل تقدير، بينما تبلغ التكلفة المالية عشرات المليارات الإضافية من الدولارات. وعلى أية حال، فإن المطلوب والأكثر إلحاحاً الآن هو تقديم المزيد من المساعدات في استقرار وإعادة إعمار أفغانستان، وكذلك دفع جهود المصالحة الوطنية وإعادة إعمار العراق، إلى جانب تضافر الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شرق أوسطي شامل، والعمل في سبيل إقامة تحالف إقليمي شرق أوسطي قوي، لهزيمة الإرهاب والتطرف في المنطقة.