منذ أن طرحت وزارة العمل مشروع قانون العمل المعدَّل على "الإنترنت"، ودعت إلى التعليق عليه، كنوع من "الاستفتاء العام الإلكتروني" حول ما يتضمنه القانون الجديد، وهي خطوة تنطوي على إيجابيات عدة، توالت العديد من التصريحات من جانب وزارة العمل، والتي تصبّ جميعها في ضبط سوق العمل، وتنقيح قانون العمل، بما يتلاءم مع مقتضيات المرحلة المقبلة، بعد أن أضحت أوضاع سوق العمل في الدولة تحت "مجهر" المنظمات الدولية، سواء منظمات العمل، أو تلك المعنية بقضايا حقوق الإنسان، خاصة في ظل انحسار الحديث عن قضايا "الركبية" والاتجار بالبشر في الدولة، إلا في حدود ضيقة جداً، بعد جملة التشريعات والقرارات الحكومية الحازمة، في هذا الإطار والتي كانت محلّ تقدير هذه المنظمات. أحد هذه التصريحات، وربما أكثرها أهمية أيضاً، هو ما يتعلق باتجاه الوزارة لوضع حدٍّ أدنى للأجور، ضمن جملة من التعديلات التي سيشهدها قانون العمل الجديد. فرغم أن اتجاه الوزارة في هذا المضمار سيبدأ بقطاع الإنشاءات فقط، ليتوسع تدريجياً ليشمل القطاعات الأخرى، فإن وجود حدٍّ أدنى لأجور العمال، في هذا القطاع تحديداً، من الأهمية بمكان في تحسين علاقات العمل بالدولة، وهو اتجاه سيقضي على الجانب الأكبر والأهم من النزاعات والاحتجاجات والإضرابات العمالية، التي باتت متكررة، بوتيرة ملحوظة، في السنوات الأخيرة، وغدت أعمالاً منظمة وظاهرة مقلقة تدق نواقيس الخطر، بينما ظلت "الأجور" والمطالبات إما برفعها وإما بعدم تأخير دفعها، المحرك شبه الوحيد لهذه الظواهر جميعها. من الطبيعي أن تثير أي محاولات لتغيير واقع سوق العمل الكثير من المعارضة، ومن ردود الأفعال المختلفة، منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ليس كذلك، إذ إن تناقضات سوق العمل أصبحت، تشكّل مصالح مكتسبة للبعض، فيما هي ضد مصالح بعضهم الآخر، حيث واجه قطاع المقاولات تصريحات وزارة العمل بشأن وضع حدٍّ أدنى للأجور بردود فعل سلبية، باعتبار أن هذا القطاع يقوم في الأساس على فلسفة العمالة الكثيفة وغير الماهرة والرخيصة أيضاً، وأن أي زيادة في الأجور ستنعكس بصورة مباشرة على أرباح المشروعات العقارية. إلا أن وزارة العمل تسير في هذا الاتجاه انطلاقاً من دراسات تشير إلى أن تكلفة العنصر البشري في المشاريع الخاصة بشركات المقاولات لا تتعدى 14% من إجمالي التكلفة، بما في ذلك تكلفة جلب العمالة وجميع الرسوم الخاصة بالوزارة إضافة إلى الأجور، وهو رقم يقل بكثير عن نظيره في العديد من الدول العربية والعالمية، رغم ارتفاع التضخم وأرباح قطاع المقاولات على حدٍّ سواء إلى مستويات قياسية في الإمارات مؤخراً. من الطبيعي أن تصحح أجور العمال في أي دولة من فترة إلى أخرى تبعاً لمتغيرات اقتصادية أساسية مدروسة ومحسوبة، في مقدمتها معدلات التضخم أو زيادة التكلفة المعيشية وتطور مستوى الإنتاجية، وهو واجب المؤسسات والشركات وهو حق للعمال أيضاً، إلا أن جمود أجور العمال على الرغم من الارتفاع القياسي في أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، والزيادة الكبيرة في حجم المشاريع العقارية والأرباح المتزايدة التي تحققها الجهات المنفذة لمختلف هذه المشاريع، كل ذلك يبرر تدخّل الجهات المعنية في الدولة لوضع حدٍّ أدنى للأجور. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية