من هو الأميركي .. وما هو مفتاح الهوية الأميركية؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين يمكن أن تكون صعبة، بل ويمكن أن تكون وحشية، ولكن هذا هو شكل الإجابة على الأسئلة المتعلقة بهويتنا التي اكتسبناها بدمائنا. وفي كل مرة تخرج فيها أميركا إلى العالم من خلال مغامرة أو حماقة فإنه عادة ما تكون هناك حاجة للإجابة على هذا السؤال مجدداً. وعندما يريد أنصار العولمة والحدود المفتوحة إحضار العالم كله هنا إلى أميركا، دون احترام للثقافة والتقاليد الأميركية فإن الحاجة إلى الإجابة على هذا السؤال تظهر من جديد وربما بإلحاح أكبر من المرات السابقة. والتعريف الكلاسيكي للهوية الأميركية جاء بواسطة رجل فرنسي تحول إلى أميركي يدعى "هكتور سان جون دي كريفكير". هذا الرجل انتقل من وطنه الأصلي فرنسا إلى أميركا عام 1754 وبعد ذلك التاريخ بثلاثة عقود وفي كتاب له بعنوان "رسائل من مزارع أميركي" تساءل "دي كريفكير": "من هو إذن ذلك الأميركي، ذلك الرجل الجديد؟" وأجاب هو نفسه على السؤال بقوله: "إن الأميركي هو الرجل الذي جاء إلى أميركا وترك وراءه كافة تحيزاته وأخلاقه وسلوكياته القديمة، وتبنى أخرى جديدة من خلال الحياة على هذه الأرض، ومن خلال الحكومة الجديدة التي أصبح يدين لها بالولاء". ومضى "كريفكير" في تعريفه ومن خلال استخدام لغة ترهص بما عرف لاحقاً بـ"بوتقة الانصهار": "وفي هذا البلد يختلط السكان المنتمون إلى مختلف الأجناس ويمتزجون ليكونوا جنساً جديداً من البشر". كان هذا ما كتبه ذلك الرجل، ويمكنني أن أضيف إليه أن الأميركيين يمكنهم أن يعتزوا بأصولهم ولا يتخلوا عنها بمجرد الانصهار في "البوتقة"، ولكن يجب عليهم أن يعتزوا أكثر بالمواطنة الأميركية. لقد تم تذكير الأميركيين بشكل قاس بأميركيتهم في الحادي عشر من سبتمبر عندما تعرضت أمتهم بأكملها للهجوم. إننا لا زلنا نذكر تلك اللحظات عندما اتحد الأميركيون جميعاً تحت وطأة الكارثة ووقف كل واحد منهم ليعلن باعتزاز: أنا أميركي. وفي الحقيقة أنه كان يجري تذكيرنا دوماً بأن هويتنا قد نشأت من خلال الصراع والحرب حتى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر. فالأميركي بمجرد أن يحصل على الجنسية فإنه يلتزم بالولاء لأميركا أولاً، والإخلاص لخدمتها وخوض الحرب من أجلها حتى لو كانت تلك الحرب ضد وطنه الأصلي. وهذه الفكرة هي موضوع فيلم جديد اسمه "باث فايندر" وترجمته الرائد أو المستكشف، وهو فيلم مليء بمناظر القتل والدماء والوحشية. هذا الفيلم يوضح أن التاريخ الأميركي كان تاريخاً دموياً، وأن الحرب كانت هي البوتقة التي تكونت فيها الوطنية مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية على سبيل المثال. ففي تينك الحربين كان الأميركيون من أصل ألماني يشعرون بوخزات الضمير لأن العدو في الحربين تصادف أنه كان وطنهم القديم. بيد أن ذلك لم يمنع أن يقود أميركا في الحربين قائدان من أصل ألماني هما الجنرال "جون بيرشينج" والقائد الأعلى لقوات الحلفاء "دوايت أيزنهاور" نجحا في تحقيق الانتصار على القيصر الألماني في الحرب العالمية الأولى، وعلى الفوهرر الألماني في الثانية. بيد أنه يلزم التأكيد هنا أن حروبنا لم تكن كلها حروباً مقوية للهوية الأميركية مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإنما كانت هناك حروب من نوعية أخرى، ومنها حرب العراق على سبيل المثال. فهذه الحرب ليست حرباً مقوية لهوية الأميركيين وإنما هي حرب ممزقة لقلوبهم لأن قادتهم تبنوا اقتراحاً غبياً مؤداه أن الناس هناك في ذلك البلد -العراق- كانوا ينتظروننا لأنهم كانوا يتحينون الفرصة كي يكونوا مثلنا. والأنكى من ذلك هو أن إدارة بوش فاقمت فيما بعد من ذلك الخطر من خلال التظاهر -إلى أن أصبح مثل ذلك التظاهر سخيفاً- بأن الحرب الأهلية المندلعة في العراق لا تختلف عن المناوشات التي ميزت جمهوريتنا الوليدة في القرن الثامن عشر. لذلك فإن ما يتعين على أميركا أن تقوم به في الوقت الراهن هو أن تعيد توحيد صفوفها، وأن تعمل على الخروج من العراق بشرف وعلى تجديد العزم على الدفاع عن أرضنا ضد الإرهابيين القتلة وضد الساسة الأغبياء المتعولمين الذين ينادون بالحدود المفتوحة مما يهدد بتحويل أميركا إلى شيء آخر غير أميركا التي نعرفها، والتي لا نملك غيرها، والتي -من حسن حظنا- أنها تمثل كل ما نريده. جيمس بينكرتون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"