هل تعتقدون أن الولايات المتحدة كانت مخطئة في غزوها للعراق، حتى وإن قامت بذلك بنية جلب الحرية لضحايا صدام حسين؟ وهل تعتقدون أن النزاعات الطويلة في البلدان البعيدة لا يمكن حلها بالحلول العسكرية التي لا تعالج الأسباب الحقيقة للأزمة؟ إذا كنت تعتقدون ذلك، فكيف يمكنكم أن تتصوروا أن نشر الآلاف، أو عشرات الآلاف، من الجنود في دارفور، وهو إقليم سوداني أكبر مساحة من العراق، هو كل ما يتطلبه الأمر لوضع حد للمذابح هناك؟ الواقع أننا عندما ذهبنا إلى دارفور الشهر الماضي، انتابنا شعور بالحزن واليأس على غرار الجميع، ومازال. إلا أن ما عرفناه في السودان يجعلنا نتوخى الحذر من "فاعلي الخير المدرعين" –ومن أصحاب الفكر المزدوج والمتناقض ممن يوصون بتطبيق ما يعتبرونه كارثة في العراق لخلاص دارفور وإنقاذها. ولذلك، ينبغي أن نشك في هذه المهمة الجديدة؛ ذلك أنه من دون التوصل إلى حل سياسي تحت رعاية المجتمع الدولي، فلن يكون ثمة سلام للحفظ أو سلام للفرض. التقينا في الخرطوم وشمال إقليم دارفور بسودانيين يعانون آثاراً نفسية واضحة بسبب ما حل ببلدهم من مأساة، والواقع أنهم كانوا أفضل إطلاعاً منا. صحيح أن آراءهم كانت مختلفة ومتباينة، إلا أنه لا أحد منهم كان ينظر إلى الصراع باعتباره صراعاً بين "ضحايا" و"جلادين". وبالمقابل، يبدو أن تبسيط الأمور ظاهرة منتشرة في الغرب انتشاراً كبيراً، حيث يُنظر إلى القضية نظرة تبسيطية مؤداها أن نظاماً عربياً إسلامياً، قرر القضاء على سكان دارفور السود، ولهذه الغاية، يقوم بتنفيذ جريمة إبادة جماعية بمساعدة ميلشيا الجنجويد سيئة السمعة. واللافت أنه لا توجد في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية أي إشارة إلى كيف أن منظمات الإغاثة الإنسانية -والسكان المدنيين في دارفور- يفرون أيضاً من الفظاعات التي يرتكبها المتمردون في دارفور. ففي قرية "قريضة" في جنوب دارفور مثلاً، انقطعت المساعدات الإنسانية منذ منتصف ديسمبر عن أكثر من 100000 شخص من النازحين بعد هجوم المتمردين على إحدى منظمات الإغاثة، التي مازالت لا تتجرأ على العودة. والواقع أن معظم الأميركيين للأسف لم يُقل لهم بأن ثمة نحو 15 فصيلاً متمرداً يحاربون الحكومة السودانية -بل ويحاربون بعضهم بعضاً بشكل متزايد. وكان مبعوث الرئيس بوش إلى السودان، "أندرو ناسيوس"، أخبر مجلس "الشيوخ" يوم الأربعاء الماضي بأنه بالرغم من أن نطاق الفظاعات التي يرتكبها المتمردون هو دون فظاعات الخرطوم، فإن هجمات المتمردين على المدنيين ما فتئت تزداد بشكل ملحوظ؛ كما أن بعض المتمردين بدأوا يغتصبون نساء من نفس قبائلهم. وإضافة إلى ذلك، فقد هددت السنغال يوم الخميس بسحب جنودها الخمسمائة المشاركين ضمن قوات حفظ السلام من دارفور بعد أن قتل المتمردون خمسة منهم أثناء حراستهم لمنبع مائي وسط الصحراء في وقت سابق من هذا الشهر. وهنا يجوز التساؤل: هل فقد المتمردون بوصلتهم الأخلاقية؟ أما كان الغرب ليرتكب خطأ كبيراً لو أنه تدخل قبل نحو عام، مثلما دعت إلى ذلك وقتها منظمة "أنقذوا دارفور"؟ إن خوض حرب ضد السودانيين لن ينقذ الأرواح، بل سيكلف أرواحاً. فمعظم أعمال العنف التي حدثت في دارفور وقعت بين نهاية 2003 وبداية 2005. وقد كان المجتمع الدولي نفسه، الذي يحثه البعضُ اليوم على التدخل في غرب السودان، يساعد وقتها على إنجاح مفاوضات السلام بين الحكومة في الشمال والمتمردين في الجنوب لوضع حد لأطول حرب أهلية في أفريقيا المستقلة -21 عاماً- خلفت نحو 1.5 مليون قتيل. هل كان التعامل وقتها مع العسكر الحاكمين القتلة (الحكومة السودانية) من أجل وضع حد لإراقة الدماء سياسة صائبة؟ وهل سيكون من الصواب اليوم السعي إلى الإطاحة بحكومة وحدة وطنية، يشارك فيها المتمردون الجنوبيون السابقون؟ الواقع أن الجواب بالإيجاب لن يمثل إعلان وفاة لاتفاقية السلام الموقعة في يناير 2005 فحسب، وإنما لأول انتخابات حرة في البلاد أيضاً، والتي من المفترض أن تجري في غضون أقل من عامين. إذا كان نظام الخرطوم ضالعاً بالفعل في جريمة الإبادة الجماعية، فليست ثمة في هذه الحالة إمكانية للتوافق معه -ويجب في هذه الحالة أن يكون تغيير النظام على رأس قائمة الأجندة الدولية. بيد أن عدداً من التحقيقات المستقلة يشير إلى أن 40000 من سكان دارفور قُتلوا من مارس 2003 إلى ديسمبر 2004 في ظروف فظيعة، وأن 90000 شخص لقوا حتفهم جراء الجوع والمرض، وهم الضحايا غير المباشرين للحرب الأهلية، وأن أعمال العنف قد خفت منذ ذلك الوقت. وإذا كانت الولايات المتحدة تقدر عددَ ضحايا هجمات العام الماضي بنحو 1300 شخص، وبعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، التي نشرت 7000 من قوات حفظ السلام التابعة لها في دارفور، تقدر متوسط الضحايا شهرياً بنحو 200 قتيل خلال الأشهر الستة الماضية، فإن هذه الأرقام غير مؤكدة لأنه لا يوجد في الكثير من الحالات شهود لهذه الأحداث المأساوية. إلا أنها تميل لتأييد رقم 200000 قتيل بسبب جميع الأسباب المذكورة منذ بداية الاقتتال في فبراير 2003 -وهو الرقم الذي استعملته وسائل الإعلام في معظم مناطق العالم، بدلاً من 450000 قتيل التي كثيراً ما تشير إليها المجموعاتُ الداعية إلى التحرك من أجل إنقاذ دارفور. نأمل ألا يُساء فهمنا؛ فنحن أيضاً نعتقد أن دارفور يحتاج إلى مساعدتنا؛ غير أن دعمنا ينبغي أن يكون واقعياً وصادقاً. إن على المجتمع الدولي أن يضغط على الحكومة السودانية والمتمردين ويدفعهما إلى عملية سلمية حقيقية -وتحدي الصين علناً، إن اقتضى الحال، حتى لا تعارض قراراً أممياً بفرض عقوبات على أي طرف متصلب. إذ كيف يحق لنا، في غياب اتفاق سلام للمراقبة، أن نطالب بأن يذهب أشخاص -سواء كانوا أطفالنا أو قبعات زرقاء أمميين ينتمون إلى العالم الثالث- إلى دارفور والموت هناك. روبرت مينار أمين عام منظمة "مراسلون بلا حدود" ستيفان سميث مختص في الشؤون الإفريقية مقيم في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"