لاشك أن طبعة الإنترنت من صحيفتنا "الاتحاد" قد أعطت للكتاب فرصة التواصل مع القراء من خلال تعليقاتهم ومشاركاتهم. وبما أنني أحد من بدأوا الانخراط في الكتابة الصحفية مبكراً وعاصرت الطريقة الوحيدة التي كانت متاحة لإرسال المقالات وهي البريد السريع الذي كان يستغرق أياماً ليوصل المقال إلى الصحيفة، وعايشت نفس الطريقة المتاحة للقراء للتعليق على مقالات الكتاب وهي الرسالة المكتوبة بخط اليد والتي يوصلها البريد بعد عدة أيام من نشر المقال... فإنني أشعر اليوم بالامتنان لمخترع الإنترنت الذي أتاح لي أن أتوجه إلى القراء الأعزاء طالباً البحث عن البهجة. إنني على يقين أن الأسباب التي تدعوني إلى هذا البحث هي شركة بيننا فمن منا لا تجرحه نشرة الأخبار التي تحولت في عالمنا العربي منذ سنوات إلى نشرة لأعداد القتلى والجرحى. ومن منا لا تهتز جوانحه عندما تتالى الصور من فلسطين ولبنان والعراق والسودان ومصر والمغرب والجزائر والسعودية والكويت... بعضها صور من صنع الاحتلال الأجنبي وبعضها من صنع نفر منا! أسبابي للبحث عن البهجة هي بالتأكيد أسبابكم، فقد أعيانا الحل وأنفقنا عقوداً من أعمارنا في التحليل والبحث دون أن نحصل على حل لمشكلة واحدة من مشكلاتنا المتزايدة. يلوح في ذهني المنشور السريالي الذي أصدره الأديب والناقد الفرنسي "بروتون"، وقد صدمته المآسي الإنسانية التي خلفتها الحرب العالمية الأولى ووجد أن الأثقال التي يلقيها على النفس التفكير العقلاني المنظم الذي يولد الحروب أشد مما تحتمله النفس الإنسانية التواقة لعالم بشري مسالم هادئ خالٍ من حسابات الأطماع وسفك الدماء. أطلق الرجل دعوته إلى الكتابة من المستوى الأعمق في النفس وهو مستوى اللاوعي حيث تتدفق العواطف في تلقائية وانسياب دون نظام وقيود وحواجز. هذا النوع من الكتابة الذي دعا إليه "بروتون" يصلح في عالم الأدباء الذين يستحقون الغبطة أي الحسد الحميد، فهم يجدون في هذه الكتابة متنفساً لما يعتمل في نفوسهم من غضب على أصحاب الأطماع العاقلة التي تدفعهم إلى القمع والنهب والاحتلال والبطش وسفك الدماء إذا ما لزم الأمر. إنني أغبط الأدباء، فليس مسموحاً لمن يعملون في البحث العلمي أو في الكتابة الفكرية أن يخترقوا النظم أو يرفعوا الكلفة مع القراء أو أن يقفزوا فوق الحواجز العقلية وبالتالي يظلون تحت حصار علامات الاستفهام المتعددة حول مرئياتهم يرددون لأنفسهم ماذا ولماذا وكيف ومن ومتى؟.. لينهكوا عقولهم في البحث عن الإجابات العاقلة التي لا تتحقق في معظم الأحيان لتناقضها مع حسابات أصحاب الأطماع المدروسة. أوروبا المسيحية ظلت طوال العصور الوسطى تضطهد اليهود وتفرض عليهم المذلة والقهر وتُعمل فيهم السيف ووصلت الحالة إلى ذروتها مع النازية، ثم قررت أن تتخلص من وجودهم فيها باعتبارهم فائضاً سكانياً غير مرغوب فيه فدفعتهم إلى الشرق ليشقوا أرضنا ويُعملوا فينا القتل والاحتلال والتشريد والقهر، وليكونوا قاعدة عسكرية ثابتة مع نهاية عصر الاحتلال الأوروبي لبلداننا. هذه عينة من حسابات الأطماع العاقلة التي نواجهها بعلامات الاستفهام، وهي خمس نضيف إليها علامة استفهام سادسة تسبقها عبارة "إلى متى؟". عينة ثانية يحار فيها العقل... أخٌ لنا واراه الثرى وعد بأن يحرق إسرائيل بالكيماوي المزدوج ثم انقض بقواته على دولة شقيقة لصيقة فشق الأمة والبعض يهتف له "يعيش بسمارك العرب" إلى أن بعثر مشاعر الأمة الواحدة وفتح الباب واسعاً لتدفق القوات الأجنبية. عينة ثالثة يمثلها سيد البيت الأبيض الذي دخل بغداد بقواته رافعاً "شعار الديمقراطية في الشرق الأوسط" كأداة لمحاربة الإرهاب الذي ضرب شطآنه، فحول العراق إلى بوتقة نشطة لاستقطاب وتدريب وتحضير فيالق جديدة سرعان ما ستزحف خارج العراق لتشعل المنطقة. عينة رابعة يمثلها نفر منا يجدون في عقولهم ذرائع تسمح لهم بسفك دماء مواطنيهم المسلمين الأبرياء بحجة إقامة شريعة الإسلام. بما أن الحيز أوشك على النفاد أترك لكم سادتي القراء الأعزاء مهمة استكمال العينات التي تحكمها أطماع الحسابات العاقلة طالباً من حضراتكم معاونتي في البحث عن بعض البهجة النفسية أو المواساة في الحد الأدنى.