عند الحديث عن الميزانية الفيدرالية المخصصة للشؤون الدولية. بادئ ذي بدء أود توضيح: لماذا علينا أن نولي ميزانية "الشؤون الدولية" ما تستحقه من اهتمام. لكن ما هي بالتحديد ميزانية "الشؤون الدولية"؟ أنا سعيدة لأنكم طرحتم هذا السؤال. إن ميزانية الشؤون الدولية تمول كل ما تنفقه الولايات المتحدة في إطار الشؤون الخارجية؛ فهي تمول وزارة الخارجية، على سبيل المثال، و"هيئة السلام" الأميركية، وبرامج التبادل التي تسمح للطلبة الأميركيين بالدراسة في الخارج. كما تمول المساهمات الأميركية في جهود حفظ السلام في دارفور، وجميع مساعداتنا الخارجية للبلدان النامية من قبيل المساعدات الغذائية، وعمليات الإغاثة أثناء الكوارث، والمساعدات الزراعية، والتدريب العسكري، والمساعدة في مجال الديمقراطية، وتطعيمات شلل الأطفال، والوقاية من الإيدز، وأمور أخرى. قد تقولون: "حسناً، ربما تكون ميزانية الشؤون الدولية غير محبوبة، ولكن لابد أنها كبيرة جداً لأن الأمر يتعلق بالكثير من الأمور التي ينبغي تمويلها". الحقيقة أنكم إذا كنتم تعتقدون أنها ميزانية ضخمة، فإنكم لستم الوحيدين في ذلك؛ فقد عُرف عن الأميركيين اعتقادهم بأن ميزانيتنا للمساعدات الخارجية كبيرة وضخمة. ففي 1997 مثلاً، قال 64 في المئة من الأميركيين المستجوَبين في إطار استطلاع للرأي إنهم يعتقدون أن ميزانيتنا للمساعدات الخارجية تمثل أكبر مجال للإنفاق الفيدرالي، أي أنها أكبر مما يُنفق على الجيش، أو الضمان الاجتماعي أو برنامج "ميديك- إيد". وفي 2001، طُلب من الأميركيين في إطار استطلاع آخر للرأي أن يقدروا نسبة الإنفاق الفيدرالي الذي يخصص للمساعدات الخارجية، فرأى أكثر من نصف المستجوَبين أن المساعدات الخارجية ربما تمثل نحو 20 في المئة من الميزانية الفيدرالية السنوية. والواقع أن ميزانية "الشؤون الدولية" شيء هزيل وضئيل؛ إذ تبلغ 36.5 مليار دولار برسم السنة المالية 2008، ولا تمثل سنوياً سوى 1 في المئة من إجمالي الإنفاق الفيدرالي مقارنةً مع ميزانية الدفاع التي طلبتها البنتاجون لـ2008 وهي (481.4 مليار دولار للتمويل الأساسي، إضافة إلى 141.7 مليار دولار أخرى مخصصة للحرب العالمية على الإرهاب). واللافت أن هذه الأرقام لا تحتسب تكلفة الحرب في العراق، التي مُولت بصفة كاملة تقريباً عبر سلسلة من طلبات التمويل الإضافية "الاستعجالية"، بواقع 100 مليار دولار تقريباً كل عام. والحال أن ميزانية "الشؤون الدولية" تعد جزءاً أساسياً من ميزانية أمننا القومي؛ ذلك أن المجتمعات التي تعاني من النزاعات والفقر والظلم والمجاعة والأمراض تعقد تحالفات مضرة؛ فتشكل في بعض الأحيان ملاذاً للإرهابيين والمنظمات الإجرامية الدولية، وتشكل مرتعاً خصباً للمجموعات المتطرفة. وبالتالي، ففي عالم مترابط ومتشابك، يعد المال الذي ننفقه على الشؤون الدولية استثماراً في رخائنا وأمننا على المدى البعيد. إن قلة قليلة من السياسيين يطعنون في هذا الرأي مبدئياً؛ غير أن قصر النظر حول ميزانيتنا يمثل الجانب المهمَل من إنفاق الأمن القومي. ففي أواسط الثمانينيات -في عهد إدارة ريجان- كانت الولايات المتحدة ترصد للشؤون الدولية كل عام مبلغاً أكبر بنسبة 15 في المئة مما ننفقه اليوم. وبالمقابل، تجاوز نمو الإنفاق العسكري في عهد الرئيس بوش نمو الإنفاق المخصص للشؤون الدولية كثيراً، ما خلق اختلالاً في التوازن. إذ من المرتقب أن ننفق في 2008 نحو 20 دولاراً على الجيش مقابل دولار واحد على جميع البرامج الدولية الأخرى؛ ومعنى ذلك أن نولي اهتماماً متزايداً بالحرب والأسلحة، في حين نهمل جميع أدوات السياسة الخارجية الأخرى. والواقع أن العالم يلاحظ ذلك؛ ففي يناير الماضي، وجد استطلاع للرأي أجرته "هيئة الإذاعة البريطانية" أن 29 في المئة فقط من الناس في العالم اليوم يعتقدون أن للولايات المتحدة "تأثيراً إيجابياً عموماً على شؤون العالم"، في حين اعتبر 52 في المئة تأثيرنا "سلبياً عموماً". وتلك في الواقع ليست طريقة مناسبة لإدارة الأمور. وبالتالي، فإنه يتعين على الكونجرس في المدى القصير، عندما يجتمع من جديد الأسبوع المقبل من أجل مناقشة تمويل الشؤون الدولية لعام 2008، أن يمول ميزانية الشؤون الدولية على الأقل في المستوى الذي طلبه البيت الأبيض. أما على المدى البعيد، فعلى البيت الأبيض والكونجرس أن يعملا معاً على إعادة التوازن إلى حجم إنفاقنا على الأمن القومي، وزيادة التمويل المخصص للمبادرات الدبلوماسية المهمة، وتلافي النزاعات والمساعدات الخارجية، مع العمل في الوقت نفسه على خفض أنظمة الأسلحة غير الضرورية التي تتسبب في ارتفاع الإنفاق العسكري. ثم هناك الحرب في العراق، والوقاية من داء الإيدز، والمساعدة الاقتصادية، والتبادلات الثقافية، والدبلوماسية، وحفظ السلام. وكلها أمور لها صلة في نهاية المطاف بالجنس والمال والشهرة والسلطة -والأمور التي علينا أن نقوم بها للمحافظة على قوتنا العظمى المتضعضعة في عالم متشابك وغير مستقر.