يقدم انفجار السيارتين المفخختين في الجزائر يوم الأربعاء الماضي، تذكيراً قوياً بالإرهاب الذي عاث في الأرض فساداً خلال سنوات التسعينيات هناك، كما يؤشر إلى إمكانية قرب حدوث معركة أخرى مع النشطاء المتشددين على نطاق واسع. فقد حاربت الحكومةُ على مدى عدة أسابيع مجموعات من المتمردين المرتبطين بـ"القاعدة" في المرتفعات النائية في هذا البلد المغاربي؛ لكن اللافت هو أن هذه الهجمات هي الأولى من نوعها التي تستهدف الجزائر العاصمة منذ سنوات، حيث استهدفت إحداها مكتب رئيس الوزراء في وسط المدينة، في حين استهدفت أخرى مركزاً للشرطة في الضاحية الشرقية للمدينة. وقد أسفر الهجومان عن مقتل 30 شخصاً على الأقل. وفي المغرب المجاور، قام ثلاثة إرهابيين مشتبه فيهم بتفجير أحزمتهم الناسفة يوم الثلاثاء، فيما قتلت الشرطة رابعاً أثناء ملاحقته. وجميعهم كانوا مطلوبين لدى الشرطة المغربية لصلتهم بالتفجير الانتحاري الذي وقع يوم الحادي عشر من مارس الماضي. وتواجه حكومتا هذين البلدين تنامي الحركات الإسلامية، والتي يتقدم بعضها لتحدي الحكومة في الانتخابات، في حين توجد أخرى في طريقها لأن تصبح أكثر عنفاً. ويرى المحللون أن التحدي الحقيقي بالنسبة للزعماء المغاربة والجزائريين يكمن في كيفية إخضاع الحركات الإسلامية من دون أن يؤدي ذلك إلى تقوية مزيد من المتشددين وإضعاف التيار المعتدل الذي يشكل الأغلبية. وفي هذا الإطار، تقول "مارينا أوتاوي"، رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" في واشنطن: "ما فعله المغاربة أمر ذكي، فقد عملوا على فتح الباب بشكل تدريجي أمام مجموعات إسلامية مختلفة والسماح بدخولها إلى الساحة السياسية. وتلك طريقة فعالة للتخفيف والحد من قوة أي مجموعة أو حزب". وتضيف قائلة: "إن أسوأ شيء يمكن أن يحدث من وجهة نظر الحكومة هو ما حدث في الجزائر في عقد التسعينيات؛ حيث فُتح المجال فجأة أمام الإسلاميين الذين حصلوا آنذاك على كل الدعم السياسي"، وهو الأمر الذي حاولت الحكومة وقفه بالقوة، وأدى إلى اندلاع حرب أهلية وحشية عام 1992. ومن جانبها، أكدت "ريتا كاتز"، مديرة "معهد البحث حول الكيانات الإرهابية الدولية" في واشنطن، أن هجمات الأربعاء كانت من تنفيذ "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وهو الاسم الجديد الذي اختاره المقاتلون الإسلاميون في الجزائر لأنفسهم؛ وتقول: "لقد غيروا استراتجيتهم في الأشهر القليلة الماضية إلى أسلوب القاعدة المعروف باستهداف المواقع العسكرية والشركات الأجنبية. وأعتقد أنهم استهدفوا من وراء هذه المحاولة رئيس الوزراء. إن ذلك يحمل في ما يبدو بصماتهم". وإذا كان المغرب لم يشهد سوى أعمال عنف قليلة ومحدودة مؤخراً؛ فإن المحللين يرون أن الطريقة التي سيتعاطى بها مع المعارضة السياسية هي التي ستحدد ما إن كانت العناصر الراديكالية للمجموعات الإسلامية ستتقوى. ذلك أن الأحزاب السياسية القائمة على أساس ديني محظورة في المغرب؛ إلا أنه يُسمح للأحزاب "ذات المرجعية الإسلامية" بالترشح في الانتخابات طالما التزمت بقواعد الملكية. ويعني ذلك الاعتراف بسلطة الملك والالتزام بقوانين الانتخابات التي تجعل من المستحيل بالنسبة لأي حزب أن يسيطر على البرلمان. وتشارك بعض المجموعات الإسلامية في الانتخابات، حيث تحشد سلطة سياسية محدودة، في حين ترفض أخرى النظام بأكمله ولكنها تحظى بدعم شعبي لها. وفي هذا الإطار، يقول محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء: "في كل أرجاء العالم الإسلامي، تتميز الحركات الإسلامية بقربها من الناس لأن الحكومات غائبة، وهو ما يفسر ذهابهم مع الإسلاميين. ففي كل حي وفي كل زنقة مغربية، ثمة وجود لجماعة العدل والإحسان" التي ترفض المشاركة السياسية، مضيفاً "أما المجموعات الإسلامية التي تدعم الحكومة، فإنها تفقد الدعم الشعبي". بيد أن حزب "العدالة والتنمية" يتبنى توجهاً مختلفاً إلى حد كبير؛ إذ يعد ثالث أكبر قوة سياسية في البرلمان المغربي، وأول حزب ذي "مرجعية إسلامية". ومن المتوقع أن يحشد عدداً أكبر من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في سبتمبر المقبل. غير أن هذا النجاح السياسي لم يأتِ دون ثمن، حيث يشدد على أنه ينظر إلى الدين والسياسة باعتبارهما مجالين منفصلين، ويقول إنه إذا كان يدعم الإصلاحات والقيم الإسلامية، فإن هذه القيم تشبه الكثير من الأفكار الديمقراطية. وقد اختار هذا الحزب أن يحد من ترشحاته في الانتخابات السابقة، في خطوة أراد منها أن يُظهِرَ للحكومة أنه لا يسعى وراء كثير من السلطة وبسرعة كبيرة. وإذا كانت هذه المجموعة توجد في موقع جيد للدفع بالإصلاحات، فإنها لا تحظى بنفس الشعبية التي تحظى بها "جماعة العدل والإحسان" المحظورة، والتي تتوفر على شبكة واسعة للخدمات الاجتماعية، وترفض الملكية والمشاركة السياسية، وتقول إنها تؤيد المزاوجة بين القيادة الروحية الإسلامية في السياسة والمبادئ الديمقراطية التي تنبذ العنف. وفي هذا السياق، تقول نادية ياسين، ابنة زعيم جماعة العدل والإحسان: "إننا مهمشون تماماً لأننا لا نقبل طبيعة السلطة. إننا نعتقد أنها ليست طريقة ديمقراطية لأنها تقوم على سلطة رجل واحد هو الملك". يذكر هنا أن نادية ياسين سُجنت مرة من قبل؛ وتواجه محاكمة على خلفية تصريح قالت فيه إن على المملكة أن تتحول إلى جمهورية. وتضيف نادية ياسين قائلة: "إننا لا نريد تلطيخ أيادينا. وبالتالي فالطريقة الوحيدة التي هي في متناولنا لمقاومة هذه السلطة غير الديمقراطية تتمثل في البقاء على الهامش... البقاء في المعارضة الحقيقية". غير أن الدعم الشعبي والقدرة على القيام بإصلاحات اجتماعية قد لا تترجَم إلى القيام بإصلاحات سياسية ملموسة. وتقول أوتاوي: "ثمة خطر واضح جداً بالنسبة للأحزاب الإسلامية في مشاركتها في الحكومة لأن الناخبين سيُحملونها المسؤولية ويقولون: لماذا لم تفعلوا المزيد؟، ولكن كيف للأحزاب التي تنبذ العنف وترفض في الوقت نفسه المشاركة السياسية أن تؤثر في العملية السياسية؟". جيل كارول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في الدار البيضاء ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"