عقدت القمة العربية في الرياض يومي 28 و29 مارس 2007، وقد خرج بيانها الختامي حاوياً مجموعة من النقاط الملفتة للنظر، والباعثة على التفاؤل في الأوساط الشعبية العربية. ولكن الأمر الذي استوقفني أكثر من غيره، هو الحديث عن ماهية الهوية العربية في عالمنا المعاصر. لقد نادى البيان الختامي بالعمل على تحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الانتماء إليها في قلوب العرب وعقولهم على اعتبار أن العروبة ليست مفهوماً عرقياً عنصرياً، بل هي هوية ثقافية موحدة. إن هذه الهوية الثقافية الموحدة محورها ومبلورها هو اللغة العربية، التي تقوم بدور المعبر عن الهوية والحافظ لها بين كافة البشر الذين يقطنون البلاد العربية. ومن جانب آخر، تحدث البيان عن أن اللغة العربية وليس العرق، هي الحافظ لتراث الأمة العربية، وهي الإطار الحضاري المشترك القائم على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، يعززه ويثريه التعدد والانفتاح على الحضارات والثقافات الإنسانية الأخرى والتعامل معها والأخذ منها والإضافة إليها، ومواكبة التطورات العلمية والتقنية التي تحدث في عالم اليوم بسرعة رهيبة. كل ذلك يجب أن يحدث دون التأثر الشديد بالثقافات الأخرى إلى درجة الذوبان والتفتت وفقدان العناصر الأساسية لثقافتنا الخاصة. وبرغم أن هذا الطرح ليس بالجديد على الإنسان العربي، خاصة في أوساط المثقفين العرب، فإن التركيز عليه بهذا الشكل الواضح في منبر دولي عربي مهم كمؤتمر القمة العربية، يؤكد أن المفهوم كما يطرحه المثقفون العرب خلال القرنين الماضيين التاسع عشر والعشرين، هو مفهوم حي ويجب أن يستمر وأن يعاد تأكيده والعمل على ترسيخه، لكي تعود فوائده على المجتمعات العربية بشكل أكثر إيجابية تبعد عنها شبح الاختلاف. وعلى الصعيد المقارن بيننا وبين الشعوب الغربية، فإن الأخيرة كان من عادتها ثقافياً، أن تصف ذاتها لبعض الوقت، ولأغراض سياسية على أسس من الهوية الثقافية. وهنا ربما يوجد اختلاف في استخدام مصطلح ثقافة هذا، ولكن بعيداً عن هذه الاختلافات الرسمية للاستخدام، فإن الأمم والجماعات المختلفة، قامت من وقت لآخر بالتركيز بشكل متفاوت على أهمية المواطنة واللغة معاً في تحديد الهوية الثقافية الخاصة بها. ولكن رغم السماح لجميع تلك الاختلافات بالتواجد، إلا أن الشعوب الغربية تعبر عن هويتها وولائها في صيغ خاصة بها عن طريق الحكومة التي يحمل الفرد مواطنتها والقطر الذي يعيش فيه واللغة التي يتحدثها. ولكن هذه الحالة لم تكن هي المتواجدة تماماً في الفكر السياسي العربي المعاصر، فبلد الإقامة مثلاً، كان ذا أهمية ثانوية ولم يجد مصطلح الأمة السياسية طريقه للاستخدام لدى العرب سوى مؤخراً ونتيجة للنفوذ الغربي المستجد في العالم العربي. وإلى عهد قريب كان التقسيم الأساس وحجر الزاوية الذي يتم على أساس منه التفريق ثقافياً بين العربي وغيره هو التحدث باللغة العربية، ثم تأتي بعد ذلك العضوية في مجتمع، فالعرب هم جميع من يتحدثون اللغة العربية ويعيشون في قطر يعتبر أهله عرباً. وفيما قبل التطورات الأخيرة في العالم العربي، خاصة قيام إسرائيل، كان العربي يمكن أن يكون مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً، والأمثلة على ذلك كثيرة في فلسطين ومصر واليمن ولبنان والمغرب وسوريا والسودان وغيرها من بلاد العرب. وأيضاً فإن الكثيرين ممن يعتبرون عرباً اليوم ربما تعود أصولهم العرقية ودماؤهم إلى أعراق مختلفة أتت من شتى أصقاع المعمورة، وتمازجت مع بعضها بعضاً لكي تتشكل الشعوب العربية المعاصرة، خاصة في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا. فعربي اليوم يمكن أن يكون قوقازي الأصل أو زنجياً أو بربرياً أو فارسياً أو تركمانياً أو غير ذلك من الأعراق والأجناس التي نزحت إلى المنطقة العربية باكراً، وتمازجت مع أهلها الأصليين ومع بعضها بعضاً تمازجاً كلياً، وإن ما كان الرابط الحقيقي فيما بينهم ولا زال هو تحدثهم جميعاً اللغة العربية. تجدر الإشارة إلى أن القمة التاسعة عشرة أعطت في بيانها الختامي أولوية قصوى لتطوير التعليم ومناهجه، بما يعمق الانتماء العربي المشترك وتطوير العمل العربي المشترك في المجالات التربوية والثقافية والعلمية، عبر تفعيل المؤسسات القائمة ومنحها الأهمية التي تستحقها والموارد البشرية والمالية التي تحتاج إليها، خاصة في مجالات البحث العلمي، وتدشين حركة ترجمة واسعة من اللغة العربية وإليها، وتعزيز حضور اللغة العربية في جميع الميادين العلمية والثقافية. إن هذه جميعها أمور مطلوبة للدفع إلى الأمام بترسيخ قيم المواطنة والانتماء العروبي على أسس حضارية حديثة ترفع من شأن المواطن العربي، وتجعله قادراً على مواجهة متطلبات العصر، وهو أكثر قدرة ومسؤولية على تحمل تبعات ذلك. الإنسان العربي مؤمن بالعديد من القضايا التي طرحت في القمة الأخيرة، ولكنه ينتظر أن يتم تطبيق ما ورد ونقله من مرحلة الورق إلى مرحلة الفعل.