عنوان غريب نوعاً ما، ومصدر غرابته يكمن في إمكانية هذه العملية من عدمها، فهل من الممكن فعلاً استئجار العقول؟ الجواب بكل تأكيد هو فيما يجري اليوم من ممارسات في بعض الوزارات والدوائر الاتحادية والمحلية في دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه الدولة والتي بفضل قيادتها الرشيدة، حققت من الإنجازات ما يعجز الإنسان عن ذكره، والفضل ما شهدت به الأعداء. هذه المنجزات جاءت بتكاتف الجهود التي قامت على سواعد الإماراتيين ومن شاركهم معركة البناء في الدولة. ولكن مع تسارع الأحداث برزت ظاهرة يظنها البعض حسنة، وهي في حقيقتها سر من أسرار تأخر الدول بعد تقدمها، وربما يأتي اليوم الذي نتعلم فيه درساً من الواجب الإحاطة به اليوم قبل فوات الأوان، فما هي ظاهرة استئجار العقول؟ وكيف نتعامل معها؟ ظاهرة استئجار العقول بدأت تغزو بعض مؤسساتنا، حيث تقوم هذه المؤسسات على عقول مستوردة من الشرق والغرب. وفي الغالب يكثر أهل الغرب لأن عقولهم هي الأفضل والأغلى في السوق العالمية اليوم، فعندما يريد أحد المسؤولين التطوير للمؤسسة، ولا يلام أحد على رغبة التطوير، صاحبنا هذا الذي شرع في التطوير بحث من حوله فلم يجد أحداً قابلاً للتفكير ممن أحاطوا به وبمن قبله من المسؤولين، فوجه وجهه قبل المغرب، عل الله يمن عليه بعقل مفكر، ولله الحمد فكنز الغرب مليء بمثل هذه العقول، التي جربت ثم قدرت ففكرت فأنتجت. ولم التردد، عندها يتواصل المسؤول عبر وسيط مع بعض هذه العقول كي يستأجرها لفترة من الزمن مقابل مبالغ من الدراهم لن أذكرها كي تتسع عقول القراء الكرام لحسابها. وعندما يصل العقل المستأجر إلى الوطن تكون له اليد العليا على الكل، وربما حتى المسؤول نفسه، فبعد تحقق شروط العقد المختلفة وبالذات الجانب المادي منها، يبدأ هذا العقل المستأجر في التفكير ثم التقدير، فينظر هنا وهناك، ويبتسم للبعض، ويكفهر وجهه من البعض، ولكن بكل صراحة تغلب عليهم الابتسامة، لا أدري هل ذلك استهجاناً بالعقول المحيطة بهم، أم فرحة بما ينالونه في دولتنا من أحلام لم يحققوها في دولهم؟ وبعد أن فكر وقدر، ثم نظر وأبصر، جاءه الوحي من عقله فخطط، ثم طلب من الجميع التنفيذ، وقد يسأل البعض فما دور المسؤول عندها؟ ملخص دوره يكمن في جلب الموارد المالية اللازمة لتحقيق ما فكر به غيره، وما الذي يجري لو لم تنجح الخطط، يكون كل العيب في التنفيذ، وليس في عقل الذي فكر، فينبغي التخلص من بعض العقبات والتي تحول دون تنفيذ الأفكار، التي جاء بها العقل المفكر، بما في ذلك بعض البشر الذين يتفننون في مواجهة التغيير. وتمضي الأيام، ولا تتحقق بعض الأحلام، وعندها يرى أهمية استئجار عقل مساند للعقل الرئيسي، وعليه يتم البحث، ولحسن الطالع تأتي عقول مؤجرة من نفس بلد العقل المدبر، دونما تدخل منه طبعاً، لأنهم في غاية الحياد والديمقراطية. وفجأة نجد صاحبنا قد أحيط بعدد من العقول تفكر نيابة عنه، ويعرف الجميع من حوله مصدر إلهامه وتدبيره، لكن كأن على عينيه غشاوة، فلا يرى أنه حُرم من أجلِّ نعمة منَّ الله بها على الإنسان وهي التفكير. قصة من يشكك فيها، فعليه أن يرفع الغشاوة عن عينه، ويبصر هذا الواقع الذي تعيشه بعض مؤسساتنا. من حيث المبدأ لا يرفض أحد التطوير، كما أننا لسنا ضد تأجير بعض العقول في الميادين التي لا نحسن التعامل معها، ولكن كيف نحول العقول المستأجرة إلى عقول مستثمرة؟ هذا ما نبحثه مستقبلاً.