"بلدية.. تتخلص من 47 ألف طن نفايات في مارس".. "صيانة 51 دورة مياه عمومية في مدينة.. " هذه عيّنة بسيطة من بعض الأخبار التي تنشرها صحفنا المحلية، وهي بطبيعة الحال أخبار لا علاقة لها بالمهنية ولا تمتُّ بصلة للصحافة الحقيقية التي ينشدها المجتمع في هذه المرحلة من مراحل نموه ونهضته في القطاعات كافة، بل تثير علامات الاستفهام حول مدى إدراك الإعلام المحلي لأولويات جمهوره ومدى اهتمامه بالالتقاء مع هذا الجمهور على أرضية مشتركة. بعضهم يرى أن هذه الأخبار تمثل نوعية الأخبار المحلية المتاحة، بينما يدرك العارفون ببواطن الأمور أن انتشار ظاهرة "صحافة الفاكس" وتفشّي الاعتماد على شركات العلاقات العامة وبياناتها الصحفية هما السبب الحقيقي وراء تحوّل معظم صحفنا المحلية إلى مجرد يوميات بيروقراطية للدواوين الحكومية؛ فصناعة الخبر عملة نادرة في صحافتنا، وصحافة التحقق والتحرّي بالمفهوم المهني غائبة أو مغيّبة، لا فرق، بل إن ما يحدث في أحيان كثيرة يثير الاستغراب، لأن أي مراقب يكتشف سريعاً أن الأخبار المحلية تتكرّر في معظم صحفنا المحلية ولكنها تنسب لمحرري كل صحيفة على حدة مع أن الصياغة والمضمون وربما عنوان الخبر متطابق في كل الأحوال!! أما ما يحدث في بقية الفنون الصحفية فحدّث ولا حرج، فالتحقيق الصحفي يتحوّل في معظم الأحيان إلى سرد مملّ يضاهي محاضر الاجتماعات الروتينية، وينافس المسلسلات المكسيكية في تكتيكات "المط والإطالة"، ويتجاوز في مساحات النشر حدود طاقة أي قارئ عادي على المتابعة والاستيعاب وإدراك "الرسالة"، بحيث يستشعر القارئ في كثير من الأحيان أن دافع النشر ليس سوى رغبة حثيثة في ملء الفراغات لا أكثر. وهذا الواقع الصحفي الذي يعتمد على أخبار وتحقيقات من النوعية المذكورة أعلاه تتنافى مع أصول الحرفية الصحفية، ولن توفر لنا على المدى البعيد صحافة تنافسية على المستوى الإقليمي، رغم أننا بحاجة ماسّة إلى صحافة قوية متجدّدة تضاهي ما تحقّق في مجالات أخرى. هناك وجهة نظر تقول إن قانون المطبوعات وهامش الحريات المتاح هو السبب الرئيسي في تقييد الصحافة والحيلولة دون وصولها إلى التنافسية، وهذا الكلام ربما ينطوي على جزء من الحقيقة ولكنه لا يعكس الحقيقة كاملة، إذ ينبغي أن نعترف أن هناك رقابة ذاتية تمارس وتحول دون بلوغ السقف المتاح لحرية التعبير، وهناك استسلام شبه تام للتقارير والبيانات الدعائية التي تصدرها الكثير من الشركات والمؤسسات والدوائر الحكومية حول أنشطتها اليومية التي لا ترتقي في معظم الأحوال إلى حد حجز موقع -ولو ضئيل- على صفحات أي جريدة، إذ إن هذه النوعية من "البيانات" لا تقدّم خدمة إعلامية تذكر، ولا تقدّم ولا تؤخّر بالنسبة إلى القراء وليس لها قيمة نوعية تذكر في العمل الصحفي. المرحلة المقبلة تحتاج إلى صحافة تلعب دورها المنشود في تعزيز خطط التطوير والتنمية في الدولة، عبر تسليط الضوء على مواطن القصور الإداري والتنفيذي، مع ضرورة شمولية التغطية الصحفية لمناطق الدولة كافة، وألا تقتصر على عواصم المدن الرئيسية فقط، فالإمارات ليست المدن الرئيسية فقط، ولكن هناك أيضاً مناطق جغرافية أخرى تحتاج إلى دعم إعلامي يسلّط الضوء عليها ويضع همومها ومتاعبها أمام المسؤولين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية