تبنت إدارة الرئيس بوش مؤخراً موقفاً أكثر تشدداً وحزماً من الصين بخصوص الموضوع بالغ الحساسية المتمثل في التجارة؛ غير أن هذه الخطوة لا تعكس في الواقع تغيراً جوهرياً للاستراتيجية بقدر ما تعكس تحولاً تكتيكياً. وتأتي هذه الخطوة بعد أن رفع مسؤولو التجارة الأميركية في الآونة الأخيرة شكاوى رسمية من انتهاكات حقوق الملكية الفكرية في الصين. والواقع أن المقبل من الأيام قد يشهد مزيداً من الإجراءات الصارمة، ومن ذلك مواصلة الضغوط على الصين من أجل تكييف قيمة عملتها "اليوان"، التي يعتقد الكثير من الخبراء الاقتصاديين الأميركيين أن قيمتها منخفضة عن قصد. بيد أن هذه الإجراءات وغيرها لا تمثل تراجعاً من قبل البيت الأبيض عن استراتيجية التجارة المفتوحة مع العالم –بما في ذلك بلد صدَّر إلى الولايات المتحدة العام الماضي ما قيمته 233 مليار دولار من البضائع، أي أكثر مما اشتراه منها؛ وإنما تعكس –حسب عدد من المحللين- تغير الوقائع السياسية في الولايات المتحدة، وبخاصة الكونجرس الجديد ذي الأغلبية "الديمقراطية" الذي ستكون له كلمته في ما يخص السياسات التجارية لما تبقى من فترة بوش الرئاسية. والحقيقة أن إدارات "جمهورية" أخرى كانت تتبنى خطاً أكثر تشدداً بخصوص التجارة عندما تتنامى التخوفات الشعبية من أن تهدد الوارداتُ الوظائفَ والصناعة الأميركية. غير أن السؤال الذي يُطرح اليوم هو ما إن كان التغيير سيساعد على إصلاح وترميم الإجماع الهش حول مزايا وإيجابيات التجارة العالمية. وفي هذا الإطار، يقول فريد بورجستن، مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن: "تحدث هذه الأمور الآن لأن الكونجرس ينوي بشكل متزايد انتزاع السيطرة على السياسة التجارية"، مضيفاً أن فريق بوش "يسعى جاهداً إلى تحسين مصداقيته". ويرجح أن تسجل هذه السياسة الجديدة نقاطاً لفائدة الرئيس بوش في وقت يحاول فيه إقناع الكونجرس بتجديد دعمه لحصول البيت الأبيض، بحلول الثلاثين من يونيو، على "سلطة تشجيع التجارة"، التي تقضي بتصويت الكونجرس بشكل سريع على الاتفاقيات التجارية بدون إدخال تعديلات عليها. ولأن الاتفاقيات التجارية تتضمن في أحيان كثيرة تضارباً بين مصالح اقتصادية داخلية مختلفة، فإن هذه السلطة تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للإدارة الحالية لأنها تُمكنها من التحرك بسرعة بخصوص الاتفاقيات التجارية من قبيل تلك التي أُبرمت هذا الشهر مع كوريا الجنوبية، أو المفاوضات التجارية المتعثرة لجولة الدوحة حول التجارة العالمية. وإلى ذلك، يمكن القول إن تغير النبرة تجاه الصين يعد ضربة استباقية أيضاً. فبإظهاره أن إدارته تتحرك بخصوص عدة نقاط توتر مع الصين، سيكون بوش قادراً على تلافي رؤية تشريعٍ متشدد تجاه الصين على مكتبه هذا العام. إذ يرغب بعض المشرعين في فرض عقوبات تجارية على بكين نظراً لما يعتبرونه تلاعباً من جانبها بقيمة عملتها الوطنية. وفي هذا السياق، يقول تشارلز ماكميليان، الخبير الاقتصادي المراقب لسياسة الصين في واشنطن، "إن الهدف هو إيجاد متنفس للضغوط السياسية" في الكونجرس. بيد أن التبرم السياسي من الصين ما فتئ يتنامى بالرغم من التحسن العام للاقتصاد الأميركي الذي عرف انخفاضاً لمعدلات البطالة. ويقول ماكميليان "لا أعتقد أن مشكلة التجارة ستختفي"، مضيفاً إذا تباطأ الاقتصاد، مثلما يعتقد البعض، "فإن الضغوط لن تزيد إلا قوة". والواقع أن مواقف الولايات المتحدة من العولمة تتميز بالتقلب وبشيء من الغموض؛ ذلك أن الأميركيين مدركون لمزايا انخفاض أسعار أجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة، مثلما أنهم مدركون لتراجع فرص العمل بمصانع وسط غرب البلاد. غير أن 48 في المئة من الأميركيين -حسب استطلاع للرأي أجرته "إن بي سي نيوز" وصحيفة "وول ستريت" قبل نحو شهر- قالوا إن البلاد "تتضرر" بسبب الاقتصاد العالمي، مقابل 25 في المئة قالوا إنها تستفيد. وتظل الصين محور هذا التركيز؛ حيث ساهمت المخاوف من اتساع فجوة تجارة السلع المصنعة مع الصين في وصول عدد من "الديمقراطيين" إلى واشنطن، وهو ما مكَّن الحزب من استعادة سيطرته على الكونجرس الخريف الماضي. غير أن رد الفعل هذا لا يبدو، في الوقت الراهن على الأقل، قوياً بما يكفي للدفع بأجندة حمائية بسرعة. ثم إن "الديمقراطيين" أنفسهم منقسمون بخصوص موضوع التجارة، حيث يوجد صراع داخلي حالياً بين مختلف أجنحة الحزب. إلا أن الكونجرس بعث مع ذلك برسالة إلى الصين. إضافة إلى ذلك، صب رجال المال والأعمال زيتهم على النار. فإذا كانت شركات كبرى كثيرة تستفيد من عملياتها داخل الصين -وهو ما يعود عليها بأرباح كثيرة- وتعلق آمالا عريضة عليها باعتبارها سوقاً كبيرة للنمو في العقود المقبلة، فإن بعض الشركات أصيبت بالإحباط في الأشهر الأخيرة بسبب ما تعتبره عدم استجابة من جانب الصين لشكاوى الولايات المتحدة التجارية بخصوص المعونات، وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية، وخفض قيمة العملة. "الجمعية الوطنية للمصنعين" مثلاً، وهي تكتل يمثل الشركات الصناعية، رحبت بالخطوات التي اتخذتها إدارة بوش مؤخراً. وفي هذا الإطار، يقول "جي. بي. فيلدار"، المتحدث باسم الجمعية في واشنطن: "مما لاشك فيه أننا نأمل أن يعترف الصينيون بأهمية هذه المواضيع، وأن يبدأوا في إبداء استجابة أكبر لمعايير منظمة التجارة العالمية". كما رحبت الجمعية بالجهود الرامية إلى طرق موضوع العملة عبر الحوار البناء لوزير الخزينة هنري بولسون، وهو مصرفي سابق تربطه علاقات وثيقة مع العديد من الزعماء الصينيين. مارك ترامبول عضو هيئة تحرير "كريستيان ساينس مونيتور" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"