بعد قرابة نصف قرن استطاعت الديمقراطية الحصول على تأشيرة سياسية للدخول إلى موريتانيا تحت حكم العسكر الذي تنازل طواعية عن قيادة البلاد لصالح الشعب الذي ضحى من عمره في التخلف على كل المستويات حتى حانت ساعة النهوض من جديد عبر صناديق الاقتراع التي أثبتت جدواها عالمياً وإقليمياً لدورتين متتاليتين، حتى بان الضوء الساطع بالاتفاق على الرئيس المنتخب من بين 19 مرشحاً خاضوا تجربة امتحان الشعب لهم، ففاز واحد منهم برغبة الشعب والعسكر الحاكم في آن واحد. موريتانيا في خطوتها الجريئة نحو الديمقراطية أحرجت جيرانها الذين تشدقوا لعقود مضت بأسمى وأرفع معاني الديمقراطية التي لم ترَ الشعوب نورها بعد، وإن كان الأمل بالانتظار ساري المفعول في نفوسها إلى درجة اليأس من تغيير الأحوال بصورة تدريجية، كما يتم تسويق الديمقراطية المرحلية للوصول إلى خط النهاية، وحتى يحين ذلك الوقت فإن الغرب قد سوق منهجه الديمقراطي إلى المريخ. موريتانيا الحزب الأوحد سابقاً تتحدث اليوم عن حكومة وحدة وطنية تظِل كافة تيارات الطيف السياسي في المجتمع الذي هو بحاجة إلى العون العالمي لإيصال مشروع الديمقراطية الوليد إلى تحقيق أهدافه بعدم الجري إلى الوراء من جديد، لأن النتيجة ستكون صدمة كارثية أشد مما كان عليه الحال. لا نقيّم هنا التجربة الديمقراطية في موريتانيا قبل أن نرى البرنامج الذي سيطبق خلال الفترة القادمة، ولكن لأننا نتوجس خيفة من الانتكاسات التي مُنيت بها التجارب الديمقراطية الصورية في العالم العربي، نود أن نلمس نموذجاً أفضل من المتاح حالياً. وعندما نقول أفضل لا نعني بذلك تجربة مشابهة لما هو معمول به في المجتمعات الغربية، لأن القالب الغربي الذي وضعت فيه التجربة الديمقراطية مختلف تماماً عن القوالب العربية التي ظلت جامدة لقرون من عمر التسويق الديمقراطي. وكذلك لا نريد المقارنة بالغرب، حتى لا نترك مبرراً لأصحاب التجارب الحديثة للغلو في عدم ممارسة الديمقراطية الصحيحة كأسلوب لحياة البشر في مجتمع ما، فهنا يمكن اعتماد التدرج في إنزال المنهج الديمقراطي على بقية قطاعات المجتمع المحلي في الحكم أولاً ومن ثم في الاجتماع والاقتصاد والثقافة والفكر الحر وحرية التعبير والمساواة وتحمل المسؤولية لاستحقاقات المرحلة الديمقراطية التي تحتاج إلى مراعاة المولود الجديد في كل مراحل نموه من الطفولة إلى النضج العقلي قبل الجسدي. بهذه النتيجة الحاسمة لصالح ديمقراطية الشرق الأوسط دخلت موريتانيا إلى قلب التجربة المميزة عندما أجازت وأضافت إلى جملة تأشيراتها، تأشيرة سياسية للديمقراطية وليست سياحية عابرة كما هو معروف في عالم الأذونات بمختلف المجتمعات. ويزيد تخوف البعض من تخطي هذا النوع من التأشيرات السياسية حدودها الجغرافية لتصل إلى الآخرين مشذبة ومهذبة أو مقصوصة جناحاها في أسوأ الاحتمالات لكي تستقر في مجتمع آخر ملاصق أو متباعد. نمضي بالتفاؤل من التجربة الديمقراطية في موريتانيا لأنها مرت في انقلاب مفاجئ من العسكرة إلى الدمقرطة دون قيد أو شرط، وهو ما لم يحصل في الديمقراطيات العربية الأخرى، وخاصة والبعض منها والذي لازال محاطاً بسياج العسكر الذي يأبى الوقوف شاهداً على التجارب الديمقراطية والإصرار على أن يكون فاعلاً ومديراً للعملية برمتها حتى إعلان النتائج المعروفة مسبقاً. نخلص إلى أن هناك أملاً لاستحداث هذه التأشيرة السياسية في مجتمعات عربية أخرى والعالم المتقدم يدفع بهذا الاتجاه حتى ولو كانت الشروط والمقاييس في البداية عربية، فالأهم هو أن هذا النوع من التأشيرات مطلوب تفعيلها على الواقع العربي الذي يعاند نفسه بحجة عدم بلوغه سن الرشد الديمقراطي بعد.