عندما اجتمع رؤساء دول أفريقيا الجنوبية في العاصمة التنزانية دار السلام الأسبوع الماضي من أجل مناقشة الوضع السياسي في زيمبابوي، انتعشت آمال الشعب الزيمبابوي واتقدت. فقد قام الرئيس "روبرت موجابي" في الآونة الأخيرة بتوسيع نطاق قمعه واضطهاده من خصومه السياسيين إلى الزيمبابويين العاديين؛ وأسفر أحدثُ فصل من فصول القمع الذي يمارسه حزبه الحاكم عن عدد من الأجسام المكسرة وقتيلين مؤخراً. ولما كان الركود الذي يصيب الاقتصاد والوضع السياسي المحتقن في البلاد يطرحان تهديداً أمنياً ليس لزيمبابوي فقط، وإنما لجيرانها أيضاً، فقد توقع الكثيرون أن يتحرك الزعماء الأفارقة أخيراً ويكسروا جدار الصمت. والحال أنهم أبدوا في أعقاب هذه القمة أنهم لا يكترثون للمعاناة التي ما زلنا -نحن شعب زيمبابوي- نعيشها؛ حيث أعلن الرئيس التنزاني "جاكايا كيكويتي"، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد في ختام الاجتماع، أنه وزملاءه -رؤساء دول جنوب إفريقيا- "يدعمون حكومة زيمبابوي وشعبها". أما "روبرت موجابي" نفسه، فقد قال بنبرة لا تخلو من زهو وافتخار: "إننا حظينا بكامل الدعم، ولم ينتقد زعيم واحد من أعضاء المنظمة أعمالَنا". وهو ما يدفع شعب زيمبابوي في الواقع إلى التساؤل اليوم: كيف يمكن للحكومات المجاورة أن تزعم أنها تدعم الضحية والجلاد في آن واحد؟ وفي الوقت الذي تواصل فيه حكومة "موجابي" هجومها على وسائل الإعلام، وخصومها السياسيين، ونشطاء المجتمع المدني، والمدافعين عن حقوق الإنسان، فإن الخطر بالنسبة للسكان ما فتئ يزداد ويتعاظم؛ ذلك أنه بعد نحو سنتين على بدء العمل بالبرنامج الحكومي الذي يقضي بطرد السكان وتهديم منازلهم بشكل جماعي –عملية "مورامباتسفينا" أو "تنظيف الأوساخ"- مازال مئات الآلاف من الأشخاص يعانون العواقب الكارثية التي خلفها هذا البرنامج. والواقع أنه بنظرة خاطفة إلى الماضي، نجد أن هذا المخطط لا يمثل سوى البداية؛ فقد سعى "موجابي" إلى زعزعة استقرار السكان عبر تدمير منازلهم وممتلكاتهم بشكل عشوائي من دون إشعار أو تعويض؛ ودفع الآلاف منهم إلى النزوح إلى المناطق الريفية، حيث يفتقرون إلى أبسط الخدمات الأساسية مثل الخدمات الطبية والمدارس والماء الصالح للشرب. وعلاوة على ذلك، فقد استشرى داء الإيدز في بلادي استشراء؛ ويعاني الناس من نقص حاد في المواد الغذائية؛ ويفتقرون إلى التعليم والتربية العموميين؛ هذا بينما يعيث "موجابي" في اقتصاد البلاد فساداً عبر الفوضى الاقتصادية، والفساد المزمن، والزبونية السياسية. ونتيجة لذلك، فقد اضطر ملايين الزيمبابويين السود الذين يحبون بلدهم إلى الهجرة إلى بلدان أخرى، مؤثرين العيش هناك في الغربة كمواطنين من الدرجة الثانية بسبب انعدام الأمن وانتشار اليأس في زيمبابوي. علاوة على ذلك، فقد كشفت منظمة "هيومان رايس ووتش" الحقوقية الشهر الماضي، عبر وثائق ومستندات، تنكيل قوات الشرطة في مدن هراري وبولاوايو وموتاري بمواطنين زيمبابويين في الشوارع ومراكز التسوق والحانات. والواقع أن هذا الرعب هو الذي دفع الكثير من العائلات في هذه المناطق إلى التزام حظر ذاتي للتجول بعد الظلام. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن "موجابي" هو اليوم أقوى من أي وقت مضى. أما السكان المذعورون والمرعوبون، فلا حول لهم ولا قوة بطبيعة الحال للرد على هذا القمع ومقاومته. وفي ظل ما يبدو استعداداً من قبل "موجابي" لخمس سنوات كارثية أخرى في السلطة، فقد آن الأوان لأن يعترف الزعماء الإقليميون الأفارقة بأن حملات القمع التي يديرها هي أشد وأعنف من تلك التي كانت سائدة في جنوب أفريقيا زمن التمييز العنصري "الأبارتايد". وهو ما علق عليه القس "ديسموند توتو" بالقول: علينا -نحن الأفارقة- أن نشنق أنفسنا خجلاً من فشلنا في وقف معاناة الرجال والنساء والأطفال في زيمبابوي. فمتى سيقرر زعماء دول جنوب أفريقيا أنهم لن يقفوا مع الظلم والطغيان بعد اليوم؟ ومتى سيتخلون عن استراتجيتهم الفاشلة التي يسمونها "الدبلوماسية الهادئة" والتحرك لمساعدة شعب زيمبابوي؟ إن على الزعماء الأفارقة والمجتمع الدولي أن يطالبوا حكومة زيمبابوي بالكف عن أعمال العنف ضد المعارضين السياسيين؛ وخلق بيئة ديمقراطية عن طريق إلغاء التشريعات القمعية؛ وصياغة دستور ديمقراطي؛ وتنظيم انتخابات حُرة ونزيهة يُشرف عليها المجتمع الدولي. الواقع أنه إذا قام الزعماء الأفارقة الجنوبيون بكسر الصمت بخصوص الكارثة التي تعاني منها منطقتهم، فقد تكون السنة الحالية هي السنة التي يغادر فيها "موجابي" السلطة، وتلتحق فيها زيمبابوي مرة أخرى بالمجتمع الدولي. أما في حال اختاروا الاستمرار في التزام الصمت، فإن هذا العام يمكن أن يسجل بداية انزلاق أعظم إلى هاوية القمع والاضطهاد. أرنولد تسونجا المدير التنفيذي لرابطة "المحامين الزيمبابويين لحقوق الإنسان" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"