دخلت الإنترنت إلى المنطقة العربية متأخرة في تسعينيات القرن الماضي، وأحدثت صدمة للباحثين فيما يتعلق بكيفية الحصول على المعلومات من مصادر الشبكة العنكبوتية، ومدى صدقيتها، وكيفية توثيقها في بحوثهم العلمية. وفي كتابه "الإنترنت والبحث العلمي"، لا يسعى عباس مصطفى صادق إلى إذابة تلك الحواجز وإزالتها، إذ باتت جزءاً من الماضي، بل يوضح هدف كتابه قائلاً في مقدمته إنه يرمي إلى الاستجابة لحاجة الباحثين وأساتذة وطلاب الجامعات العرب إلى التعامل مع مصادر المعلومات في الإنترنت بشكل منهجي. ينطوي الكتاب على ستة فصول تتناول "بيئة معلومات الإنترنت" و"محركات البحث وأدلة الإنترنت" و"المهارات الأولية لاسترجاع المعلومات" و"المكتبات الرقمية" و"قواعد توثيق مصادر المعلومات" و"النظم البرامجية لإدارة المراجع والتوثيق الالكتروني"، إضافة إلى خاتمة وملحقين يضمان أهم محركات البحث في الإنترنت والمواقع التي تهم الباحثين من تخصصات مختلفة. يوضح المؤلف بداية أن نظام المعلومات في الإنترنت يتكون من شبكة الويب وبروتوكول نقل الملفات والبريد الإلكتروني ونظم الحوار عبر الشبكة والمجموعات الإخبارية وتطبيقات "الجوفر" وتطبيقات "التلينت". وبالنسبة لشبكة الويب فهي تتألف من ملايين المواقع ذات الأحجام والأغراض والخدمات المختلفة، إلا أنها دائماً تتضمن صفحة البداية وصفحات أخرى فرعية تسمى صفحات المحتوى. وتتكون صفحات الويب من أجزاء ظاهرة ضمنها أدوات التصفح وتحريك النص، وأجزاء غير ظاهرة للمستخدم، وهدفها مساعدة آلات البحث في التعرف على محتوى الصفحة. وحول محركات البحث وضرورتها، يبيّن المؤلف أن الحجم الهائل من المعلومات الذي توفره الإنترنت، يستلزم وسائل فعالة للتعامل معه واسترجاعه. وتعتبر محركات البحث الوسيلة المريحة والسريعة للبحث عن المعلومات وترتيبها. ويعرّف محرك البحث بأنه برنامج يتيح للمستخدِم البحث عن كلمات محددة ضمن مصادر الإنترنت المختلفة، في موقع واحد أو في ملايين المواقع. أما دليل الويب فهو يحوي روابط منظمة ومرتبة، تنظم عادة بحسب موضوعات عامة وأخرى فرعية تؤدي إلى مصادر المعلومات. في الأيام الأولى للإنترنت كانت مواقع البحث إما آلية أو بشرية. لكن عدداً كبيراً منها أصبح الآن يعمل بشكل هجين. ويعمل النوع الآلي بثلاثة عناصر: أولها يعتمد على برامج العناكب التي تجوب أنحاء الويب والمواقع المختلفة، ثم تقوم بمتابعة الروابط الداخلية لصفحات أخرى داخل الموقع. وما تصل إليه العناكب يذهب إلى العنصر الثاني من محرك البحث، وهو فهرس الموقع والذي يمكن تمثيله بكتاب ضخم يضم نسخة من كل صفحات الإنترنت. أما العنصر الثالث للبحث الآلي فهو الجزء البرامجي الذي يقوم بمسح الصفحات، وهو بمثابة برنامج للتفاعل عبر الإنترنت يتيح للباحث أن يستعلم عن كلمات معينة داخل الفهرس. أما الأدلة المرتبة بشرياً فهي تشكيلات منظمة لمواقع الويب مرتبة وفق موضوعاتها، تستخدم محركات بحث لإيجاد المواقع، إلا أن هناك مجموعة من المتخصصين يعملون على اختيار النتائج التي تحصل عليها تلك المحركات وتنظيمها بحسب التصنيفات العامة أو المتخصصة. وبعض الفهارس يدعم وظيفتي البحث والفهرسة، كما هو موجود في "ياهو". وبسبب التطور الهائل في هذا المجال، لا يرى المؤلف أنه أمر مناسب تحديد أي محرك بحث أفضل، وإنما يتعين على الباحث تجريب محركات مختلفة للحصول على نتائج أكثر دقة، مع ضرورة إدخال الكلمات المفتاحية الدالة على موضوع البحث. يتطرق الكتاب أيضاً إلى الجانب الآخر من موضوعه، أي الباحث نفسه وما يحتاجه من مهارات للبحث واسترجاع المعلومات في الإنترنت. وهنا يؤكد المؤلف على أهمية الاستراتيجية التي يضعها الباحث، فهي طريقه نحو المعلومات. وتتضمن استراتيجية البحث خطوات أهمها: تحديد الموضوع، وتدقيق كلماته، واختيار محرك البحث المناسب، والبدء بالمواقع المعروفة، واستخدام البوابات المقترحة، واستعمال محركات عدة للبحث. وفيما يتعلق بالبحث في قواعد البيانات، ينبِّه المؤلف إلى أنه يوجد عدد كبير من تلك القواعد المتخصصة في الإنترنت، تقدم معلومات كثيرة ومعمقة، ويمكن الوصول إليها عبر محركات البحث. وكثيراً ما تكون قواعد البيانات مرتبة بحسب الموضوعات التي تتخصص فيها، وهي توفر مجالاً مهماً للبحث. وبينما باتت فكرة المكتبة الرقمية واقعاً ملموساً في أنحاء العالم، أصبح للطلاب الباحثين أن يبحروا عبر المواقع الإلكترونية للجامعات ومراكز البحث المتخصصة. وذلك لما تتمتع به المكتبة الرقمية من مزايا أهمها: الإمكانيات غير المحدودة للبحث في الببليوجرافيات، وتعدد بدائل البحث، وتوافره على مدار الساعة ومن أي مكان في العالم، وإمكانية تخزين المعلومات واسترجاعها. كما تتوافر أنواع من الدوريات والمجلات الرقمية، مما يسمح بالوصول إليها مباشرة أو بواسطة محركات البحث. وحول أساليب توثيق المراجع من مصادر المعلومات في الإنترنت، يوضح المؤلف أنها لا تختلف كثيراً عن تلك التي تنقل من المراجع التقليدية، إلا في علامات الترقيم التي تكتسب دلالات تختلف في المصادر الإلكترونية عنها في الورقية، ذلك أن صفحة الويب غير مرقمة أصلاً، ولا حاجة لترقيمها ما دام عنوان الموقع وارداً. وكما أنه ليست هناك طريقة واحدة متفق عليها لترتيب عناصر المراجع الورقية بين مختلف المؤسسات العلمية، فإن الأمر نفسه يكاد ينطبق على التعامل مع المراجع من الإنترنت. لا يعتبر المؤلف عمله نهاية المطاف، بل يحض على استكماله عربياً، إذ لا تزال ثمة حاجة ماسة إلى تطوير في جوانب من تكنولوجيا المعلومات؛ وتعريب الأدوات والبرامج بما يدعم اللغة العربية؛ كالترجمة الآلية والتدقيق الإملائي والنحوي والتحليل الصرفي وإمكانية التعرف على الكلام وتحويله إلى نصوص والتعرف الضوئي على النصوص... وهنا يدعو المؤلف إلى استلهام التجربة الصينية التي توشك أن تكمل بناء إنترنت خاص بها، رغم أن الصين لم تكن بلداً مسهماً في بناء الشبكة العنكبوتية خلال مراحل قيامها الأولى! محمد ولد المنى الكتاب: الإنترنت والبحث العلمي المؤلف: عباس مصطفى صادق الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2007