الجميع يعلم أن العالم يرزح تحت وطأة وباء من زيادة الوزن، ومن السمنة المفرطة. فحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يوجد حالياً أكثر من 1600 مليون شخص، فوق سن الخامس عشرة، يعانون من زيادة الوزن (Overweight)، ومن بين هؤلاء، يوجد 400 مليون شخص، مصابون بالسمنة المفرطة (Obesity). وتشير توقعات المنظمة الدولية، إلى أنه بحلول عام 2015، سيرتفع عدد المصابين بزيادة الوزن إلى 2300 مليون، منهم 700 مليون مصابين بالسمنة المفرطة. ولا يختلف الوضع كثيراً عنه لدى الأطفال، حيث أظهرت إحصائيات عام 2005، إصابة 20 مليون طفل دون سن الخامسة بزيادة الوزن وبالسمنة المفرطة. هذا الوباء الذي كان يعتبر سابقاً مشكلة تخص الدول الغنية، ينتشر أيضاً حالياً انتشار النار في الهشيم في كل من الدول متوسطة الدخل والدول الفقيرة، وخصوصاً في المناطق الحضرية. ومن المنظور المحلي والإقليمي، لا يخفى على أحد أن دولة الإمارات، والمنطقة بأكملها، أصبحتا بؤرة للسمنة ومضاعفاتها. فحسب مقال نشر في هذه الجريدة في الأسبوع الثاني من شهر فبراير، أكد خبير دولي زار الإمارات مؤخراً، أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن ما لا يقل عن 70% من النساء المتزوجات و56% من الرجال المتزوجين يعانون البدانة، محذراً من تفاقم البدانة وتحولها إلى مصدر قلق صحي. فيما كشفت إحدى الدراسات عن أن معدلات البدانة وزيادة الوزن في ارتفاع بين طلبة المدارس في الدولة، وأظهرت الدراسة أن 26% من العينة التي احتوت على 607 طلاب من الطلبة المواطنين في المراحل الدراسية الأولى، مصابون بالبدانة أو زيادة الوزن، وتشير دراسات أخرى إلى أن البدانة هي ثاني أكثر الأمراض شيوعاً بين الطلاب. وفي السعودية حذر مسؤول صحي من أن البدانة تكلف المجتمع السعودي أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وهو التحذير الذي أكدته في الخامس من هذا الشهر، دراسة أجريت في مركز الأمير سلطان لأمراض القلب، أحد أكثر المستشفيات السعودية تطوراً على صعيد العلوم الطبية. في هذه الدراسة، والتي استغرقت خمس سنوات، وأجريت على أكثر من 17 ألف شخص، ظهر أن 37% من السعوديين مصابون بالبدانة، وهي النسبة التي ترتفع إلى 72.5% بين من هم فوق سن الخامسة والأربعين. هذه الأرقام المخيفة للبدانة بين السعوديين، أدت بالتبعية إلى وباءين من أمراض القلب وداء السكري. فمن بين الأشخاص الذين خضعوا لتلك الدراسة، اكتشف الأطباء أن 23.7% منهم مصابون بداء السكري، بينما كان ربعهم مصاباً أيضاً بمرض من أمراض القلب. ورغم هذه النسب المرتفعة، إلا أن دولة الإمارات تتفوق على السعودية على صعيد نسبة المصابين بداء السكري، حيث تؤكد الإحصاءات أن الإمارات سجلت ثاني أعلى معدل لانتشار الإصابة بالسكري عالمياً. وعلى ما يبدو أن الأخبار السيئة عن السمنة ومضاعفاتها على الصحة العامة، لا تتوقف عن التواتر باستمرار. ففي الثالث من الشهر الحالي، نشرت دراسة في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة (American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine)، قام فيها العلماء بمراجعة سبع دراسات سابقة شملت 330 ألف شخص، اكتشفوا أن الأشخاص زائدي الوزن، تزداد لديهم احتمالات الإصابة بالأزمة الشعبية (الربو) بمقدار 50%. فمن خلال تحليل الحالة الصحية لهذا العدد الضخم، وجد الباحثون أنه مقابل كل شخص ذي وزن مناسب مصاب بالأزمة الشعبية، كان هناك 1.5 شخص من أصحاب الأوزان الزائدة مصاب بالأزمة الشعبية. وضمن مسلسل الأخبار السيئة عن الآثار السلبية للسمنة، أثبتت مجموعة من العلماء الأميركيين أن بعض المواد الكيميائية التي تفرزها الخلايا الدهنية، تحفز الخلايا المسببة لسرطان القولون على النمو بشكل أسرع. فمن خلال دراسة أجراها علماء جامعة كاليفورنيا بسان دييجو، ونشرت في السابع من الشهر الجاري في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (The British Journal of Surgery)، ظهر أن هرمون "اللبتين" الذي تفرزه الخلايا الدهنية، يعمل كمحفز ومنشط للخلايا السرطانية المسببة لأورام القولون الخبيثة. وهو في رأي العلماء، ما يمكنه أن يفسر الملاحظة المعروفة بأن الأشخاص المفرطين في زيادة الوزن، ترتفع لديهم بشكل كبير احتمالات الإصابة بسرطان القولون، وبمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بالأشخاص متوسطي الوزن. هذا المسلسل المتواصل بشكل أسبوعي تقريباً، عن التبعات والمضاعفات السلبية الناتجة عن زيادة الوزن، هو السبب في تقدير الخبراء بأن البدانة تكلف اقتصاديات الدول الموبوءة مليارات الدولارات سنوياً. ففي الولايات المتحدة مثلاً، والتي تحتل رأس قائمة الدول المتقدمة على صعيد البدانة، وبنسبة تزيد عن 32% بين من تخطوا سن العشرين، تشير التقديرات إلى أن نفقات الرعاية الصحية لمشاكل السمنة تزيد على 78 مليار دولار سنوياً، أو ما يعادل 9% من مجمل نفقات الرعاية الصحية. وفي السعودية حذر مسؤول صحي من أن البدانة تكلف المجتمع السعودي أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وهو رقم مقارب لتكلفة البدانة في دولة الإمارات وبقية دول الخليج، مثل مملكة البحرين والتي تنتشر البدانة بين نحو 30% من طلبة المدارس فيها. وإذا ما وضعنا أيضاً في الاعتبار الثمن الاقتصادي للإعاقات الناتجة عن السمنة ومضاعفاتها، بالإضافة للثمن الإنساني الناتج عن الوفيات بسبب السكري وأمراض القلب والسرطان، فيمكننا ساعتها أن نتخيل فداحة الثمن الإجمالي الذي تدفعه البشرية حالياً، للنهم الزائد المصحوب بقلة الحركة والنشاط البدني.