إذا كان تغير المناخ قد أصبح المشكلة البيئية الأولى في العالم، فإنه يمثل في الوقت نفسه إطاراً جديداً لتقييم جملة من المواضيع البيئية الحساسة الأخرى من قبيل التنوع البيولوجي، والتصحر، والكوارث الطبيعية، وندرة المياه. وفي الوقت الذي يناقش فيه صناع القرار سبل الحد من تغير المناخ عبر خفض انبعاثات الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، فإن ثمة شعوراً متزايداً بأنه لا يوجد رد بشري قادر على تلافي تأثيرات تغير المناخ بصورة كاملة خلال العقود المقبلة؛ وهو ما يبرز أهمية التكيف. وقد أصدر الفريقُ الدولي حول تغير المناخ الأسبوع الماضي الجزءَ الثاني من تقرير تقييمه الرابع لارتفاع حرارة الأرض، والذي يحمل عنوان "التأثير والتكيف ومواطن الضعف". ومن الأمور الرئيسية التي تناولها مسألة ندرة المياه– بالنسبة لما يقدر ما بين 1.1 مليار و3.2 مليار نسمة، حسب وكالة "رويترز" للأنباء- والخيارات المتاحة لمواجهتها. ويأتي هذا التقرير عقب الاحتفال باليوم العالمي للماء الذي احتفل به العالم الشهر الماضي، وركز هذا العام على مواجهة ندرة المياه. والواقع أن ندرة المياه ليست مشكلة في المناطق القاحلة فقط؛ وإنما في المناطق المدارية الخضراء أيضا مثل كوستاريكا، حيث يعاني السكان قلة المياه بسبب التصحر والزراعة المكثفة. وسرعان ما يصبح الماء نادراً عندما تعتمد المجتمعات والصناعة والزراعة والأنظمة "الإيكولوجية" الطبيعية جميعها على نفس المصدر. ثم إنه من المتوقع أن يحتدم هذا التنافس على اعتبار أن تغير المناخ يؤثر على أنماط التساقطات عبر العالم، وهو ما يمكن أن يعرض خزَّانات الماء الطبيعية للنفاد. كانت تلك إذن الأخبار السيئة، أما الأخبار السارة فتتمثل في أن ثمة استراتيجيات أثبتت التجاربُ فعاليتَها لمواجهة هذا النوع من قلة المياه. فإذ كانت أبحاث المناخ في جنوب غرب الولايات المتحدة تفيد باحتمال ارتفاع درجات الحرارة، فإن التوقعات تختلف بشأن ما إن كانت هذه المناطق ستصبح أكثر جفافاً أو أكثر أمطاراً. وبالرغم من أن معدلات كمية التساقطات تتغير، فإن العلماء يتوقعون تذبدباً كبيراً من حيث التساقطات، وهو ما سينتج عنه ارتفاع وتيرة تردد أحداث طبيعية قاسية مثل الجفاف، والعواصف القوية، والفيضانات. وتشكل الثلوج في الولايات المتحدة مصدر ما قد يصل إلى 75 في المئة من موارد البلاد المائية؛ غير أنه من المتوقع، في ظل تقلص الكثل الجليدية والثلوج جراء ارتفاع حرارة الأرض، أن يتم نفاد هذا الخزان المائي الطبيعي، وهو ما يشكل تهديدا بالنسبة للموارد المائية في المناطق الغربية من الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، يُتوقع حدوث نمط مماثل في مناطق جبلية أخرى مثل سلسلة جبال الأنديز والهملايا –وهي منطقة تزود نحو مليار نسمة بالماء. ومما لا شك فيه أنه يتعين على الحكومات والهيئات الدولية صياغة حلول ناجعة لمشكلة ندرة المياه وتغير المناخ؛ غير أنه يمكن للأفراد أيضاً أن يحدثوا التغيير فوراً، حيث يمكن لمجموعات السكان أن تبدأ جهود التربية البيئية، كما يمكن للمدن والدول وضع تشريعات تلبي حاجاتها الخاصة. وتقوم إحدى الطرق الفعالة لمواجهة ندرة المياه على المستوى المحلي على استغلال مورد متاح بالمجان (وإن ليس بوفرة دائما)، إنها مياه الأمطار. فمياه الأمطار تمثل مصدراً طالما أهملناه في ظل تطور الأنظمة البلدية للمياه. وهكذا، فبدلاً من إضاعة هذا المورد الثمين، يمكننا أن نوسع عملية جمع مياه الأمطار، والسماح بمرورها إلى منشآت مثل السدود، أو تخزينها في صهاريج من أجل استعمالها لاحقاً. وقد بدأت دول مثل أستراليا والهند في تبني هذه الطريقة، مثلما هو الحال أيضاً في جنوب غرب الولايات المتحدة. إن أساليب تجميع مياه الأمطار يمكن أن تفيد السكان في العالم: - عندما يتم تجميع مياه الأمطار، يَحول ذلك دون ضياعها أو نقلها لمواد ملوثة إلى مجاري المياه أو حدوث الفيضانات. - تعد مياه الأمطار أنظف مورد مائي في المناطق حيث تتعرض المياه الجوفية أو السطحية للتلوث؛ إذ يمكن تجميع هذه المياه، وتخزينها ثم معالجتها لتكون صالحة للشرب. - تساهم مياه الأمطار في زيادة الموارد المائية المتاحة، وهو أمر مهم ولاسيما في المناطق التي تعرف تراجعاً في التساقطات. - يمكن للمنشآت من قبيل السدود والأحواض أن تحافظ على المياه، وهو ما يحد من التعرية ويزيد من رطوبة التربة لأغراض الزراعة أو تحسينها. - تعد تقنيات جمع مياه الأمطار سهلة التعلم، ومنخفضة الكلفة. وضمانا للفعالية، يتعين المزاوجة بين تجميع مياه الأمطار وتخزينها. وفي هذا الإطار، يُوصَى بتخزين المياه في البيت، واستعمال الوسائل التي لا تهدر المياه، واستغلال مياه الصرف. أما المقصود بمياه الصرف، فهي المياه المستعملة التي يمكن الاستفادة منها مرة ثانية للري مثلاً. ثم إن تخزين المياه يحافظ على الطاقة أيضاً على اعتبار أن تصفية المياه وتوزيعها يتطلب موارد طاقة. الحقيقة أن هذه المقاربات ليست حلاً لجميع مشكلات ندرة المياه؛ ولكنها تقدم دليلاً على أنه بإمكان كل واحد منا اتخاذ خطوات عملية اليوم لجعل تكيفنا مع تغير المناخ غير الأكيد أمراً أكيداً. ليزا شيبيك ـــــــــــــــــ المديرة التنفيذية لشركة "وُتارْشيد ماناجمانت جروب" ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"