مؤتمر "العلاج بالقرآن بين الدين والطب"، الذي انطلق أمس في أبوظبي، يمثل بالفعل بداية قوية في مسيرة ممتدة لمواجهة ممارسات وتجارة قائمة على الدجل والشعوذة وخطف العقول والتربُّح من وراء متاعب البشر وآلامهم. فالمؤتمر يلقي بحجر مؤثّر في بحيرة راكدة ومسكوت عنها رغم امتلائها بمخزون بالغ الخطورة من الأفكار والممارسات الخاطئة المرتبطة بهذا الموضوع. "العلاج بالقرآن" هو عنوان عريض يستغله الكثيرون زوراً وبهتاناً لجذب البسطاء والتلاعب بأفكارهم واستنزاف جيوبهم، الأمر الذي يتطلّب بالفعل مواجهة ووقفة علمية جادة تأخّرت كثيراً ولكنها الآن باتت حقيقة واقعة تتطلّب ترجمة أوراق عمل المؤتمر وما يطرح فيه من أفكار يحتاجها الكثيرون لتبصيرهم بالفوارق بين العلم والدجل، وبحيث يترجم ذلك كلّه إلى خطط تنفيذية تنتشل شرائح عريضة من شعوبنا من ظلمات الجهل الذي نشرته ممارسات العابثين وأيضاً بعض الفضائيات التي تسهم في نشر الشعوذة والأوهام، بل تتخذ منها هدفاً أساسياً ورسالة إعلامية!! ثمّة ثمرة بالغة الأهمية لهذا المؤتمر كونه يصبّ في خانة كشف الوجه الحقيقي للدين الإسلامي وعمق احترامه للتفكير والبحث والعلم والعلماء، والنأي به عن ممارسات الشعوذة والدجل التي يتخذ الكثيرون من انتشارها في أوساطنا الإسلامية برهاناً ومنطلقاً للهجوم والنيل من ديننا الحنيف، فضلاً عن مردود نشر الوعي القويم وإزالة أي التباس وخزعبلات يستغلها الكثيرون متاجرة بمفهوم العلاج بالقرآن، وكذلك النأي بالإسلام عن أي تضليل أو أفكار خاطئة في هذه المسألة الحيوية. المتاجرة بالدين في بعض الفضائيات وصلت إلى منحى خطير، بعد أن وصل الأمر إلى حدّ الترويج علناً للشعوذة والدجل بدعوة قراءة الطالع وتفسير الأحلام وعلاج أمراض اجتماعية مثل تأخّر الزواج وغير ذلك، والأخطر من ذلك كله أن هذه البرامج والفضائيات تلقى رواجاً ملحوظاً وتستطيع جذب شريحة لا بأس بها من المشاهدين، وهذه بحدّ ذاتها علامة ومؤشر على مدى تفشي الجهل، وأيضاً إصرار الكثيرين من أدعياء الإعلام على المتاجرة بهذه الظواهر بدلاً من التصدّي لمكافحتها واستئصالها وتجنيب المجتمعات خطرها وتأثيراتها. التخريف ونشر الأكاذيب باسم قراءة الطالع وتفسير الأحلام عن غير علم إنما هو تضليل للعقول وتكريس لواقع الجهل وابتعاد عن منهج العقل في التفكير، ويكفي الإشارة إلى الإحصاءات التي تقول إن هناك دجّالاً واحداً لكل ألف مواطن عربي، وإن هناك نحو نصف مليون دجّال في الدول العربية، ناهيك عن مليارات الدولارات التي تنفق على أعمال الدجل سنوياً. القرآن الكريم منهج حياة قائم على احترام العقل وقادر على إصلاح حياة البشر ولكن اتخاذه وسيلة للكسب وخداع الناس جريمة تحتاج إلى وقفة، تقف حائلاً دون استلاب العقول واستنزاف الجيوب والإساءة للإسلام وإغراق الناس في الغيبيّات ووعود الأمان الخادعة وصرفهم عن معالجة الأسباب الحقيقية لمشكلاتهم ومصادر معاناتهم البدنية والنفسية. مؤتمر "العلاج بالقرآن بين الدين والطب" يتصدّى لقضية مجتمعية بالغة الأهمية والتأثيرات في آن واحد، بل هي قضية ذات صلة وثيقة بحاضرنا ومستقبلنا، بالنظر إلى التزايد الهائل في الأفكار الخاطئة والممارسات السلبية المرتبطة بهذا الموضوع، وما يضاعف من قيمة الموضوع أنه لم يحظ بالقدر الذي يستحق من الاهتمام والنقاش العلمي؛ فالقرآن الكريم هدى وشفاء للناس، والعلاج به حق وصدق خاضع لضوابط شرعية وليس للأدعياء والمتاجرين بمشاعر الناس وأمراضهم ومتاعبهم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية