كالعادة في الصباح الباكر أذهب إلى النادي لممارسة الرياضة، وأتسلى بمشاهدة التلفزيون، وإذا بي أشاهد مرة، بخط عريض وملفت للانتباه إحدى القنوات تكتب: "ذهب فريقنا لتصوير أحد البيوت المهجورة، وإذا بذلك القط الذي نطق كما ينطق الإنسان ليقول لنا ماذا تفعلون هنا.. واختفى". هذا ما شاهدته وأنا أمارس الرياضة, فالتفتُّ إلى صديق وقلتُ له: شاهدْ ما هو مكتوب على الشاشة، فضحك وقال: كل شيء جائز. هل أصدق ما شاهدته؟ كيف للقط أن ينطق, وكيف لنا نحن المشاهدين أن نستمع ونصغي لما تبثه هذه القنوات؟ تذكرت عالم اللامعقول، وتذكرت ما يرويه لنا الكبار ليخيفوا الصغار ويقولون لهم لا تخرجوا فربما تخطفكم "حمارة القايله" أو "أم السعف والليف"، وغير ذلك من حكايات نفذت إلى عقولنا وأثرت فينا. أتت سيدة بصندوق من الماء المقري عليه ودفعت ثمنه، فقلت لها كيف قرأ على الماء؟ قالت إن لديه صناديق مغلقة من الماء يضعها في حجرة واسعة ويقرأ بالحجرة على كل الصناديق. طأطأتُ رأسي وفهمت أن حكايتها لم تنطل علي. بين الحين والآخر أذهب إلى قريب وصديق يسكن الفيحاء، وهم من المجموعة السلفية، يجلسون من صلاة المغرب إلى العشاء، فقلت لهم حكاية صندوق الماء فرد علي أبو يوسف قائلاً إنهم يتاجرون بالدين. هبت علينا قنوات كثيرة لتعلن نهاية العقل، وتبث سمومها الخرافية، فهذا يمسك بكوب ماء ويتصل به السائل فيحكي له حكايته بعد أن يعرف اسم أمه ويبدأ بوصف العلاج له، ويقول له استمع بعناية وأنصت وعليك أن تقرأ هذه الآية 7 مرات، ولمدة 7 أيام والثانية لمدة 30 يوماً وستشعر بتحسن. وتقبض القناة المقسوم ويقبض هو المكتوب. وهكذا يبيعوننا حكاياتهم ويخلطون الدين النقي بخرافاتهم. اعتدنا عندما نشاهد ونستمع لرجل الدين, فنلمس التقوى بعينيه ونشعر براحة روحية، وعندما نشاهد هؤلاء فهم يبعدون في ملبسهم وتسريحاتهم عن التقوى كبعد السماء عن الأرض. هناك فارق كبير بين الروحانيات وبين الخزعبلات، فالروحانيات موجودة ولا ننفيها ولها فعلها في التأثير على النفس، ولكن ما نشاهده في هذه الأيام يقترب من الخرافة واللعب والمتاجرة بالدين وهو إساءة كبيرة لديننا الذي يحث الإنسان على العقل. حكايات كثيرة نسمعها ليس فقط في ثقافتنا، ولكن حتى في الدول المتقدمة. فالإنسان عندما يعجز عن تفسير ما يحدث له يذهب إلى الخرافة لكي يرتاح ويشعر برفع عبء التفكير الذي يكاد ينهكه. نحن عندما نعجز عن التصدي للواقع نلجأ لما هو غير واقع لكي نريح أنفسنا من عناء البحث. الإنسان اليائس يستسلم للخرافة ولا يجد ملجأ أمامه سوى الخرافة, وهي ظاهرة تنتشر ليس في الطبقات الدنيا كما يشاع وإنما حتى بين الشرائح الغنية. قصص كثيرة تحكى لنا عن زوجات يطرقن أبواب هؤلاء المشعوذين ويطلبن منهم "عمل" للزوج، أو السحر لتذليل ما يعترضهن في الحياة. بعضهن ينجح وبعضهن ينفق أموالهن ويبذرنه سعياً وراء تجارة السحر والخرافة. يبدو أن القنوات الفضائية بدأ يتحول بعضها للخرافة والشعوذة لجلب مزيد من المشاهدين وخصوصاً من النساء, فقصصهن مع الرجال كثيرة ومعاناتهن أكثر، وهذا لا يعني أن الرجال لا يطرقون أبواب الشعوذة. أمام تنامي هذه الظاهرة نجد إعلامنا يغيب في سباته ولا يحرك ساكناً لنشر الوعي بين الناس وربما خوفاً من تداخل الدين مع الخرافة, حيث نجح بعض من تجار الدين في بيع أوهامهم وصدَّقهم الكثيرون وجعلوا الناس يقبلون ما يقولون، وكأنه حقائق دينية، وهنا المأساة الحقيقية.