"راموش هاراديناج"، هو قائد سابق لحرب العصابات التي خاضتها الجماعات الألبانية في كوسوفو، ورئيس حالي لمجلس وزراء الإقليم. غير أنه إما أن يكون قائداً فذاً لمع نجمه في سماء منطقة البلقان خلال السنوات الأخيرة الماضية، أو أن يكون واحداً من "مجرميها"، أو أن يجمع بين الصفتين معاً. وكان السيد "هاراديناج" ومتهمان آخران، قد مثلوا أمام محكمة لاهاي الدولية الخاصة بجرائم الحرب، في شهر مارس الماضي، بتهمة قتل 40 ضحية من ضحايا الحرب في عام 1998، إبان النزاع الدائر بين مليشيات "جيش تحرير كوسوفو" وقوات الأمن التي كان يهيمن عليها الجنود المنتمون إلى الإثنية الصربية. ولكن المشكلة أن "طاهر زيماج"، الشاهد الرئيسي للادعاء في القضية، قد أردي قتيلاً هو وابنه أثناء التحقيق في القضية، إثر تعرضهما لطلق ناري. أما الشاهد الثاني،"كوجوتيم بيرشا"، فقد لقي حتفه هو الآخر، في حادثة دهس بسيارة تعرض له في "بودجوريكا"، عاصمة إقليم "مونتونجرين"، قبل أسبوعين من بدء المحاكمة. وبالنتيجة، فقد سمح لما يزيد عن ثلث الشهود الذين سيدلون بإفاداتهم لصالح هيئة الادعاء، بإخفاء هوياتهم، بما تجاوز الحدود المسموح بها لإخفاء الهويات، مقارنة بأية قضية أخرى من القضايا التي نظرت فيها محكمة لاهاي. وقد أسفرت هذه القضية بالذات، عن حدوث انقسام حاد بين هيئة الادعاء من جهة، سواء كانت في كوسوفو أم في لاهاي، والدبلوماسيين الأجانب، التابعين للأمم المتحدة أو للحكومات الغربية. وكان السيد "هاراديناج"، شريكاً فاعلاً في الجهود الغربية الرامية لإحلال السلام في إقليم كوسوفو إلى درجة، دفعت الدبلوماسيين إلى تفادي تقديمه للمحاكمة من الأساس. وتلك هي المعلومات المستقاة من رئيس سابق لبعثة الأمم المتحدة إلى كوسوفو، وكذلك من أحد ممثلي الادعاء الرئيسيين في محكمة "لاهاي". لذلك وما أن وجهت إليه الاتهامات، حتى سارعت بعثة الأمم المتحدة إلى دعم إطلاق سراحه المؤقت، الذي استمر لأكثر من عامين. يذكر أن" هاراديناج"، هو المتهم الوحيد الذي وافقت محكمة الجزاء الدولية المختصة بالنظر في جرائم يوغوسلافيا السابقة، على إطلاق سراحه حتى يتمكن من استئناف نشاطه السياسي. وعلى حد قول "سورين جيسن بيترسون" الذي كان رئيساً سابقاً لبعثة الأمم المتحدة في كوسوفو، فقد تمكن "هاراديناج" من الدفع بهذه العملية السياسية السلمية، إلى حد غير مسبوق تقريباً. يُشار إلى "بيترسون" كان رئيساً للبعثة الدولية حتى لحظة توجيه الاتهامات لـ"هاراديناج" في مارس من العام قبل الماضي 2005، أي بعد أربعة أشهر فحسب من توليه منصب رئاسة الوزراء في كوسوفو. ولذلك فإن من رأي ممثلي الادعاء في كل من كوسوفو ولاهاي، أن ممثلي الأمم المتحدة والحكومات الغربية قد عقدوا العزم معاً على منع إثارة الاتهامات ضده. ومن ذلك فقد أشارت "كارلا ديل بونتي" كبيرة ممثلي الادعاء في لاهاي، إلى قضية "هاراديناج"، باعتبارها ملفاً قضائياً لا يحبذ بعض دبلوماسيي المنظمة الدولية والحكومات الغربية، رؤيته وهو يعرض أمام المحكمة. ومضت إلى القول إن القليل جداً بين هؤلاء من تعاون مع هيئة الادعاء في مساعيها، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أم الدولي. أما في إقليم كوسوفو، فما أكثر الذين ينظرون إلى قائد المليشيات السابق هذا، على أنه القائد الأكثر جاذبية، الذي أنجبته سنوات الحرب الأهلية التي امتدت ما بين 1997 و1999. وفي الوقت الذي قللت من شأنه الحكومة الصربية، ووصفته بأنه مجرد "إرهابي"، يلاحظ أن كبار المسؤولين بالمنظمة الدولية قد تمسكوا بموقفهم القائل إن له دوراً مقدراً وكبيراً في الدفع بعملية السلام والمصالحة الوطنية في منطقة البلقان. وعلى حد قول "بيترسون" فقد كان "هاراديناج" على قدر كبير من الفهم لإمكانية بل لضرورة أن يكون الصرب جزءاً من المجتمع الكوسوفي. وبسبب دوره القيادي الوطني، فلم يجرؤ أحد على اتهامه بخيانة وطنه كوسوفو، من خلال دعوته تلك الخاصة بإدماج الصرب في مجتمع إقليم كوسوفو الذي حارب من أجل استقلاله. وفي مارس من عام 2004، وأثناء المظاهرات وأعمال الشغب التي عمت إقليم كوسوفو، تمكن "هاراديناج" من منع المتظاهرين من مهاجمة إحدى أهم دور العبادة الأرثوذكسية الصربية. وفي المنحى ذاته، أكد مسؤولون بالأمم المتحدة، أن "هاراديناج" قد تمكن من جعل زيارة الرئيس الصربي "بوريس تاديتش" لإقليم كوسوفو في شهر يناير من عام 2005، هادئة وسلمية. غير أن هيئة الادعاء في القضية المذكورة، تفسر كل هذه المواقف من قبل مسؤولي الأمم المتحدة والدبلوماسيين الغربيين، على أنها لا تعدو كونها محاولات لإضفاء نوع من الحصانة على المتهم، في مقابل ترهيب الشهود والحيلولة دون الإدلاء بشهاداتهم ضده أمام المحكمة. وفي رأي "جان دانيل روش"، المستشار السياسي لكبير المدعين في لاهاي، فقد كانت هناك أجواء ترهيب عام، وأن الذين سعوا لخلقها لم يتمكنوا من إحداث ما يعمل على تغييرها. وأوضح "روش" أن عدداً من كبار مسؤولي الأمم المتحدة، قد التقوا بالسيد "هاراديناج" قبيل سفره إلى هولندا لسماع التهم الموجهة إليه في محكمة لاهاي، كما أنهم التقوه أيضاً قبيل رحلته الثانية إلى هناك، للمثول أمام المحكمة. غير أن بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو، تنفي صحة هذه المزاعم جملة وتفصيلاً. يذكر أن التهم التي يواجهها السيد "هاراديناج"، تشمل فيما تشمل: اعتقال الأفراد وحبسهم بأوامر صادرة عنه، ثم ربطهم بالأسلاك الشائكة وجرهم بالسيارات، وكذلك جرائم الاغتصاب المتكرر للنساء. غير أن مؤيدي "هاراديناج" يدفعون هذه الاتهامات بالقول إنه ليس هناك دليل واحد على صحتها، ويرون أن المحكمة لم توجه إليه هذه التهم، إلا لكي تبدو عادلة وموضوعية في نظرتها لجرائم الحرب اليوغوسلافية السابقة. ــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في بريشتينا - كوسوفو ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"