في الوقت الذي يمضي فيه الاتحاد الأوروبي بخطوات متلاحقة نحو توسيع نطاق الهجرة الشرعية إلى دوله الأعضاء لأول مرة في تاريخه، وذلك بسبب الاحتياجات المتزايدة للعمال الزراعيين وعمال المصانع، فإن إسبانيا تقدم لنا لمحه عما سيحدث في هذا المضمار من خلال اتفاقية للشراكة تعقدها مع السنغال. والسبب الذي دفع مدريد للتحرك باتجاه عقد تلك الشراكة هو ذلك العدد الكبير من المهاجرين من دول غرب أفريقيا البالغ 31 ألفاً، الذين اصطدموا مع قوات الأمن في جزر الكناري الإسبانية العام الماضي. وعلى رغم أن الأفارقة يشكلون نسبة تتراوح ما بين 5 إلى 10 في المئة من إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين في إسبانيا، فإن محنتهم هي الأكثر ظهوراً، وهو ما يرجع إلى أن حوالى 6000 مهاجر منهم يقضون نحبهم سنوياً أثناء محاولاتهم دخول إسبانيا عن طريق البحر بواسطة قوارب متهالكة تحمل عدداً كبيراً منهم يفوق طاقتها الحقيقية بمراحل. وقد قررت إسبانيا استخدام نظام التأشيرات المؤقتة لمواجهة الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر إلى أوروبا. فحسب ما صرح به مسؤولون إسبان، فإن بلادهم ستعرض تدريباً على الممارسات البحرية، ووظائف لمدة عام، لدفعة أولى من الصيادين السنغاليين يتراوح عددها ما بين 165- 700 صياد. ولخوفها من تدفق طوفان من مهاجري القوارب مع ازدياد الجو دفئاً، فإن أسبانيا تعهدت بتقديم آلاف التأشيرات المؤقتة الإضافية هذا العام. وهذه الشراكة مع السنغال، التي تنظر إسبانيا في الوقت الراهن في أمر توسيعها بحيث تشمل المزيد من الدول الأفريقية العام المقبل، ستضمن توفير تأشيرات مؤقتة، ومساعدات لعملية التنمية، في مقابل تقديم تعهدات من السنغال باتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين غير الشرعيين المحتملين. إسبانيا لديها دراية ببرامج التأشيرات المؤقتة، حيث سبق أن نظمت برامج شبيهة مع بعض الدول الأفريقية، وخصوصاً مع المغرب. وعلى رغم أن الاتفاقية الإسبانية- السنغالية تسمح للعمال السنغاليين بالبقاء في إسبانيا بعد انقضاء مدة التأشيرة، وهي عام بشرط أن يكونوا قد تمكنوا من إيجاد عمل خلال هذه الفترة، فإنها تضع موضع التطبيق أيضاً العديد من إجراءات ما يعرف بـ"الهجرة الدائرية" التي تروج لها رئاسة الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع. والهجرة الدائرية التي تستخدم منطقاً مشابها للمنطق الذي استخدمه جورج بوش في تصميم برنامج "العمال الضيوف" الذي تستخدمه الولايات المتحدة لحل مشكلة الهجرة الشرعية إليها من دول أميركا اللاتينية، وخصوصاً المكسيك، تسمح للعمال بالعمل مؤقتاً في أوروبا بهدف تقليص أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى القارة مع القيام في الوقت ذاته بتوفير حاجتها من عمال المزارع وعمال المصانع الذين تحتاجهم دون أن تتكبد أي نفقات من أجل إدماج هؤلاء العمال في نسيج دولها، وهو الأمر الذي تعاني منه العديد من الدول الأوروبية في الوقت الراهن. وتنسيق سياسات الهجرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يأتي ضمن "تطوير طرائق تفكير الاتحاد الأوروبي بشأن الكيفية التي تتم بها معالجة تحديات الهجرة"، حسبما يقول "لوكا كاتسيلي"، مدير "مركز التنمية" بمنظمة التعاون الاقتصادي في باريس. بالإضافة إلى ما سبق، تعمل مدريد على تطوير الآليات التي يمكن تبنيها بواسطة الاتحاد الأوروبي ذاته. ففي هذا الإطار قامت "مارتا رودريجيز تاردوتشي"، المدير العام للهجرة في إسبانيا بزيارة إلى دولة "مالي" هذا العام بمرافقة مفوض التنمية في الاتحاد الأوروبي، لتدشين أول مركز وظائف أوروبي في ذلك البلد، وهو مركز مماثل لذلك الذي افتتحته إسبانيا في السنغال عام 2006. ومن المفترض أن يستخدم هذا المركز لمساعدة الدول الأوربية على توفير احتياجاتها من العمالة عن طريق الأفارقة المحتاجين إلى عمل. وتعلق "مارتا تاردوتشي" على هذا الأمر بقولها: "هذه المراكز تأتي ضمن إطار خطوات مختلفة يتخذها الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى تحويل مسؤولية السيطرة على الهجرة إلى الدول المصدرة للعمالة ذاتها". ـــــــــــــــــــــــ مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في مدريد ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"