أمام مشاريع القوانين التي تَقدم بها الكونجرس مؤخراً بخصوص إعادة نشر القوات الأميركية المحاربة في العراق، يشتكي الرئيس بوش وجماعة أنصاره الآخذة في التقلص بمرارة من جهود المشرِّعين الرامية إلى "التدخل" في الحرب. والواقع أن عدم اهتمام إدارة الرئيس بوش بالتفاصيل المرتبطة بالحرب معروف لدى القاصي والداني؛ حيث أثبتت الإدارة ذلك حتى قبل أن تبدأ الحرب، عندما تجاهلت معلومات استخباراتية تُضعف موقفها الداعي إلى الحرب. ففي خطابه حول "حالة الاتحاد" في 2003، على سبيل المثال، قال الرئيس بوش للأميركيين إن: "الحكومة البريطانية علمت أن صدام حسين سعى مؤخراً إلى الحصول على كميات مهمة من اليورانيوم من أفريقيا". وقد تم تعليل هذه الكلمات السبع عشرة المشهورة بوجود وثائق تزعم وجود صفقة يورانيوم بين العراق والنيجر. ونحن نفترض أنه حرصاً منهم على عدم التشويش على عملية صنع القرار، آثر بوش ومساعدوه الكبار تجاهل الدلائل التي كانت تشير إلى أن الوثائق كانت مزورة –على رغم أن هذه الوثائق، مثلما خلصت إلى ذلك صحيفة "واشنطن بوست" هذا الأسبوع، كانت "حبلى بالأخطاء التي من السهل كشفها عبر عملية بحث بسيطة في الإنترنت". إضافة إلى ذلك، هنالك "التخطيط" في مرحلة ما قبل الحرب، الذي يعد انتصاراً مماثلاً للإدارة على صعيد "عدم التشويش"، حيث لم يُعجب دونالد رامسفيلد بسماع أنه لم يُسخِّر ما يكفي من القوات من أجل النهوض بالمهمة في العراق، فأرغم رئيس أركان الجيش الجنرال إيريك شينزيكي على التنحي، والذي كان خطؤه الوحيد هو إشارته إلى أنه لا ضير في إيلاء بعض الانتباه إلى مثل هذه التفاصيل. ثم عندما حاول أشخاص شاركوا في إعداد مشروع "مستقبل العراق" الضخم التابع لوزارة الخارجية حث البنتاجون على العمل بتوصيات مخططهم لما بعد الحرب، أوضح نائب الرئيس ديك تشيني ومخططو الحرب بالبنتاجون أنهم لا يرغبون في سماع شيء بخصوصه. والنتيجة؟ نحو 2500 صفحة من التوصيات المفصلة حول مشاريع مختلفة تتراوح ما بين إعادة إعمار البنى التحتية في العراق إلى الإصلاح الديمقراطي كان مصيرُها سلة المهملات. أما بالنسبة للسنوات الأربع اللاحقة، وحتى في وقت توالت فيه الكوارث التي كان من الممكن التنبؤ بها سلفاً، فقد أبت إدارة بوش إلا أن تحافظ على المقاربة التي تتبناها بشأن الحرب. فوُصف مقتل 3265 جندي أميركي وآلاف المدنيين العراقيين بالمحزِن، ولكن أيضاً بغير المهم بالنظر إلى الهدف الأسمى لاستراتيجية الإدارة المتمثل في "عراق حُر وديمقراطي يحارب الإرهاب ويشكل منارة للحرية". وفي غضون ذلك، استمر الكونجرس المنقاد وقتها في الموافقة والمباركة. وبالتالي، فعلينا اليوم أن نشيد بالكونجرس لأنه استيقظ أخيراً من سباته وقرر فعل شيء ما لوضع حد لهذه الحرب الكارثية؛ فقد مررت غرفتا الكونجرس في أواخر مارس الماضي مشاريع قوانين تقضي بتمويل العمليات الحربية في العراق تمويلاً كاملاً، مع نصها على جداول زمنية لسحب القوات الأميركية المحاربة مستقبلاً. بيد أن الرئيس سارع إلى التنديد بمشاريع القوانين هذه، ووصفها بالجهود غير الدستورية الرامية إلى "التدخل في أمور قادتنا العسكريين" و"تقييد جنرالاتنا في الميدان". والحال أن تقديم مشاريع القوانين هذه على هذا النحو إنما هو دليل على أن الرئيس لم يقم -وفق عادات الإدارة الحالية- بقراءتها. والواقع أن مشاريع القوانين المذكورة لا تُقيد أيدي أحد؛ فنسخة مجلس النواب، على سبيل المثال، تطلب من الرئيس ضمان أن تكون الوحدات العسكرية "مستعدة للمهمة" قبل أن يتم نشرها، وتسمح له في الوقت نفسِه بإمكانية تجاهل ذلك "لاعتبارات الأمن القومي". أما نسخة مجلس الشيوخ للحادي والثلاثين من مارس، فلا تعتبر تاريخ سحب القوات الأميركية سوى هدف. وعلاوة على ذلك، فإن مشروعي القرارين كليهما يسمحان للقوات بالبقاء في العراق إلى ما لا نهاية من أجل حماية الموظفين الأميركيين، والقيام بعمليات محاربة الإرهاب، وتدريب القوات العراقية. وتلك في الواقع "إدارةٌ" وليست تدخلاً، ولا يمكن لقارئ منتبه أن يسميها بغير ذلك. وخلافاً لمزاعم الإدارة، فإن الدستور الأميركي لا يحظر البتة على الكونجرس وضع قيود أو شروط بخصوص صلاحيات استعمال الجيش؛ بل على العكس من ذلك. فقد كان محررو الدستور الأميركي حريصين كل الحرص، بالنظر إلى تجاربهم السيئة مع الحكومة الملكية، على تحاشي أوضاع مماثلة لتلك التي نواجهها اليوم، أوضاع يُعرِّض فيها جهاز تنفيذي غير خاضع للمحاسبة البلادَ للخطر عبر حرب مجنونة ومدمرة. وبناء على ما سلف، فإذا كانت صلاحيات الرئيس ذات الصلة بالحرب منصوصاً عليها ضمن فصل واحد (رئيسُ البلاد هو القائدُ الأعلى للقوات المسلحة)، فإن الدستور يحدد أيضاً صلاحيات واسعة للكونجرس زمن الحرب، وهو رأي زكَّته المحكمة العليا من قبل. إذ ينص الدستور صراحة على أن الكونجرس يتوفر على صلاحية إعلان الحرب (وضمنياً، إعلان نهايتها). كما يتمتع بصلاحية "إنشاء الجيوش ودعمها" (بشرط "ألا يتعدى أي تخصيص مالي لهذا الغرض سنتين"، وهو ما يهدف في الحقيقة إلى ضمان المحاسبة التي تحاول الإدارة الحالية التملص منها اليوم). علاوة على ذلك، فإن الكونجرس يتمتع بصلاحية "تحديد القواعد والقوانين للحكومة والتنظيمات للقوات البحرية والبرية". وعليه، فإن الكونجرس لا يتدخل في شؤون أحد، وإنما يقوم بمسؤولياته الدستورية فقط. ـــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست"