السؤال الذي لا مفر منه بالنسبة لأي مرشح رئاسي حالياً هو: ما هي خطتك للعراق؟ في اللقاءات والاجتماعات التي يعقدها هؤلاء المرشحون في كل مدينة من المدن التي يقومون بزيارتها، وفي البرامج الحوارية التي يحضرونها في المحطات التلفزيونية المختلفة يواجه مرشحون مثل هيلاري رودهام كلينتون، وباراك أوباما، وميت رومني، ورودلف جيولياني وغيرهم من المرشحين الطامحين في تولي منصب الرئيس وابلاً من الأسئلة منها على سبيل المثال: "هل أنت مع زيادة عدد القوات الأميركية في العراق.. أم ضدها؟ إذا ما فشلت خطة زيادة القوات فما هي الخطة البديلة لديك؟ وما هي الأشياء التي يمكن أن تساعد قواتنا على كسب الحرب هناك؟ ما هي الطريقة التي ستتبعها في إخراج القوات من بلاد الرافدين؟ في رأيي أن هذه الأسئلة -وبصرف النظر عن مدى جديتها- لا معنى لها. وأنا أعتقد أن من يطرحونها يعرفون إجابتها وإن كانوا يتظاهرون بعكس ذلك. هذه الإجابة هي: ليس هناك تقريباً ما يمكن عمله لإنقاذ العراق إذ لم يعد في مقدور الولايات المتحدة أن تفعل شيئاً يمكنها من خلاله أن تتحكم في المحصلة النهائية للأحداث هناك. في رأيي أن السؤال الذي يجب أن يطرح الآن وما زال لم يطرح هو سؤال من نوع آخر. تذكروا هنا أن بوش لم ينظر إلى العراق على أنه يمثل محطة الوصول في حربه العالمية على الإرهاب، ولكن على أنه يمثل نقطة المغادرة، حيث تخيل أن تحرير العراق سيساعد على ازدهار الديمقراطية في العالم العربي، كما كان يتصور أن إطاحة صدام ستساعد على انطلاق عملية تحول إقليمي واسعة، وأن استعراضه المباشر للقوة العسكرية سيساعد على تعزيز موقف أميركا في العالم الإسلامي سواء لدى الأصدقاء والأعداء على حد سواء والذين سيضطرون للرضوخ لمشيئة واشنطن. لم يحدث شيء من هذا بل إن الذي حدث هو أن بغداد قد تحولت إلى طريق مسدود. ومع ذلك فإن بوش الذي زج بنفسه في حرب هو غير قادر على كسبها رفض أن يرتد عن غيه. وما يحدث الآن أن أزمة العراق قد أصبحت تستهلك رئاسته، وهو الذي شاء لذلك الأمر أن يكون قد أصبح كاملاً. وكانت محصلة ذلك أن "الجهد" العالمي الرامي لاستئصال شأفة الإرهاب الإسلامي، والذي جرى إطلاقه عام 2001 قد تراجع وضاق نطاقه بحيث يمكن القول إن الحرب العالمية ضد الإرهاب لم يعد عالمياً فيها اليوم سوى الاسم فقط.. أما في الواقع فإنها قد أصبحت حرباً من أجل السيطرة على بلاد الرافدين. من جانبه أصبح الرئيس بوش يميل -وعلى نحو متزايد- إلى شغل نفسه بالتكتيكات الصغيرة على حساب ممارسة فن الحكم. ومثلما جلس الرئيس الأميركي ليندون جونسون إبان الحرب الفيتنامية على مكتبه ذات يوم ليراجع قائمة بالأهداف التي يتعين قصفها بالطائرات في هانوي، يقوم بوش الآن بالتفكير في عدد الألوية العسكرية الإضافية التي سيحتاجها لفرض النظام في عدد من الأحياء الواقعة في مختلف أنحاء بغداد. علاوة على ذلك فإن الإشارة إلى الحرية باعتبارها الترياق الشافي من داء الإرهاب تتواتر بشكل يكاد يكون روتينياً في خطب الرئيس كلها وإن كانت تلك البلاغة الخطابية لم تعد تترجم إلى أعمال. فالإدارة الأميركية التي طنطنت يوماً ما لنهجها غير المكلف والمبدئي كما وصفته والهادف للحيلولة دون وقوع 11 سبتمبر آخر قد تخلت الآن عن مبادئها. فليس أمامها اليوم سوى العراق، وسوى ما تستطيع بذله من جهد حتى لا تكون الأخبار التي تخرج من ذلك البلد اليوم أسوأ من الأخبار التي خرجت منه بالأمس. لذلك كله فإن اهتمامنا السياسي يجب أن يعود مرة أخرى للتركيز على الشيء الذي يمكن لخلفاء بوش المحتملين أن يفعلوه -والذي عجز بوش نفسه عن فعله- وهو: الإقرار بفشلنا في العراق والتطلع لما وراءه. والمرشحون الذين لا زالوا يجدون مزية في الاستمرار في حرب مفتوحة النهاية يتعين عليهم أن يشرحوا لنا كيف يمكن أن تكون لأميركا اليد العليا في مثل هذه الحرب، كما يتعين عليهم أيضاً أن يجيبوا على أسئلة منها: على ضوء الدروس التي يمكن استقاؤها من حرب العراق.. ما هو المعنى المقصود بالضبط من شن مثل هذه الحرب العالمية على الإرهاب؟ وأين يتوقع لنا أن نحارب بعد ذلك.. وضد من؟ وما هو شكل النصر بل كيف سيبدو؟ أما المرشحون الذين أصبحوا متشككين من الحرب العالمية المفتوحة النهاية ضد الإرهاب كوسيلة للتعامل، أو كاستجابة لخطر الراديكالية الإسلامية التي تعتمد خيار العنف أسلوباً، فيجب الضغط عليهم كي يشرحوا لنا ما هو البديل لتلك الحرب لديهم.. وما هو تعريفهم للتهديد الذي يواجه أميركا؟ وما هي مقترحاتهم بخصوص التعامل معه؟ هل سيقومون بعزله؟ أم احتوائه؟ أم تدميره؟ أم ما هي الوسائل الأخرى التي سيعتمدون عليها وما هي تكلفة تلك الوسائل؟ ربما كان سؤال: "ما هي خطتك للعراق" هو السؤال الصحيح عامي 2002 و2003 على رغم أن ما حدث هو أنه قد ظل في ذلك الحين -وإلى حد كبير- سؤالاً مسكوتاً عنه لم تتم الإجابة عليه على الإطلاق. ولكن ونظراً لأننا نقترب من انتخابات 2008 الرئاسية مع استمرار مأساة العراق فإن مثل هذا السؤال يصبح محل نظر أو محل اختلاف. إن السؤال الذي يهم في الظروف الراهنة هو: عندما يغادر الرئيس بوش المسرح ويترك الولايات المتحدة دون استراتيجية متماسكة.. كيف سيتسنى لنا ملء الفراغ الناجم عن ذلك؟ ـــــــــــــــــــــــ أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"