تتسارع بصورة كبيرة الاهتمامات العالمية الخاصة بالاحتباس الحراري وارتفاع سخونة كوكب الأرض، وذلك بسبب الانعكاسات التنموية والبيئية المهمة المتوقعة، والتي ستترك تأثيرات بالغة على سكان الكرة الأرضية في العقود القليلة القادمة. حالياً هناك مؤتمرات وندوات متواصلة في مختلف قارات العالم، وخصوصاً في أوروبا، التي أخذت على عاتقها صياغة تشريعات وأنظمة العالم، والتي ستتأثر كغيرها من جراء التغير السريع في مناخ الأرض. أوروبا باعتبارها مستورداً رئيسياً للنفط، الذي ترجع إليه الأسباب الرئيسية لانبعاث الغازات، تحاول مواجهة طموح الولايات المتحدة والصين، باعتبارهما أكثر البلدان اعتماداً على النفط لزيادة معدلات النمو المتسارعة وتحقيق أرباح كبيرة من خلال عمليات الإنتاج والتسويق. التأثيرات المحتملة عديدة، منها انقراض 30% من الأحياء الحيوانية والنباتية الموجودة حالياً واختفاء بعض الجزر بسبب ذوبان الجليد في القطبين وتزايد الأعاصير والفيضانات، مع كل ما يعنيه ذلك من خسائر للبلدان المتضررة. ماذا بشأن البلدان العربية؟ خصوصاً وإنها تقع عند مفترق طرق العالم وتعتبر منتجة رئيسية لأهم مصدر للطاقة تسعى البلدان الأوروبية لتطوير بدائل له للتخفيف من شدة انبعاث الغازات والتقليل من ارتفاع سخونة الأرض. صحيح أن البلدان العربية مصدر رئيسي للوقود الأحفوري، إلا أن على المستهلكين في الشرق والغرب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل عطشهم لهذا الوقود، حيث تضطر منظمة "أوبك" لزيادة الإنتاج، لمواكبة ارتفاع الطلب العالمي على النفط ومشتقاته، علماً بأن "أوبك" تساعد في الوقت الحاضر على تطوير مصادر الطاقة البديلة، وذلك لاعتبارات تنموية وبيئية، وتقوم بدعم جهود البلدان الصناعية التي تملك التقنيات اللازمة لتطوير مصادر بديلة للطاقة، والتي تعتبر مكلفة في الوقت الحاضر مقارنة بأسعار النفط والغاز. تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن البلدان النامية، بما فيها البلدان العربية ستتأثر بصورة أشد من البلدان الغربية، وذلك بسبب اعتمادها على الزراعة والمواد الأولية، والتي ستصاب بأضرار بالغة بسبب تغيرات المناخ، فبعض المناطق ستتعرض للجفاف، في حين ستغرق مناطق أخرى في الفيضانات، وفي كلتا الحالتين سينخفض الإنتاج الزراعي وستتأثر أراضٍ شاسعة وصناعات تعتمد على الإنتاج الزراعي. يترافق ذلك مع ارتفاع الطلب على المواد الغذائية والمنتجات الزراعية بشكل عام نتيجة لزيادة أعداد السكان، والتي ستتضاعف عند منتصف القرن الحالي. ربما هي المرة الأولى التي يواجه فيها العالم بكافة بلدانه ومن دون استثناء تغيرات معقدة ومؤثرة بصورة كبيرة، فمن جهة تزداد احتياجات العالم لمصادر الطاقة النفطية -التي لا يوجد بديل لها في الوقت الحاضر- وذلك بسبب وتائر النمو السريعة، وخصوصاً في الصين والهند والبرازيل، تلك البلدان التي تتطلع للتحول إلى دول اقتصادية كبرى في العقود القادمة، من جهة أخرى تؤدي وتائر النمو المتسارعة هذه إلى ازدياد انبعاث الغازات المؤثرة في مناخ الأرض. إنها معادلة صعبة لا يمكن الحد من تأثيراتها، إلا من خلال الجهود المشتركة لبلدان العالم، والتي يأتي في مقدمتها تطوير التقنيات الخاصة بمصادر الطاقة النظيفة، تلك الجهود التي تقودها أوروبا في الوقت الحاضر. وحتى تؤتي هذه الجهود ثمارها، فإن على البلدان العربية، بشكل عام، والبلدان العربية المعتمدة على إنتاج المواد الزراعية الأولية بشكل خاص، أن تضع التصورات الخاصة بالانعكاسات المتوقعة لتغيرات المناخ، والتي ستشمل مناطق شاسعة وأعداداً كبيرة من السكان. تجدر الإشارة إلى أن التقديرات الخاصة بالتغيرات المناخية، تتفاوت بين بلد وآخر، وفقاً للطموحات التنموية لكل منها، إلا أن الأكيد هو أن ما نشهده الآن من تغيرات قاسية في مناخ الأرض، يتطلب تكاتف جهود الجميع للحد من تأثيراتها السلبية.